محمد إدريس يكتب : إعتصام القصر.. من أين أتى هؤلاء..!!

 

*استيقظت خيام إعتصام ساحة القصر الرئاسي بوسط الخرطوم في يومه الرابع،على وقع عبارة غبية وقاسية أدلى بها وجدي صالح في ندوة سياسية بودمدني ستخصم كثيراً من رصيده السياسي الذي نفد بسبب التصريحات تلك ،ويبدوانه أدلى بذلك التصريح في غمرة الحماس الزائد لموكب الغد الذي لايتحسب إلا لإظهار القوة.. قوة المواكب والحشود ،قائلا مامعناه أن المعتصمين أمام القصر يشبهون بعضهم ولايشبهوننا،ثم حاول لاحقاً المحامي الذي ينتمي لحزب عروبي تقوم مبادئه على الاشتراكية العروبية التي لاتعترف بالتنوع والتعدد العرقي، إنقاذ مايمكن إنقاذه بالاعتذار، دون أن ينسى ربط صامولة العنصرية المقيتة على جدار الفلول..!!

 

 

*قبل أيام ساقتني الخطى بصحبة زملاء إلى ساحة القصر الرئاسي رأيت السودان يتشكل في لوحة متناسقة،ايقاعات النقارة والمردوم والجراري والطمبور والوازا والكبرو والسيرة تشنف الآذان ويترنم بها المعتصمون الذين قدموا من جميع أصقاع البلاد وسحناتها،ارضعتهم الأمهات والعمات والخالات، واصغوا إلى الرياح تهب من الشمال إلى الجنوب، وراوا بروق الصعيد تشيل وتحط، وشافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل، سمعوا مدائح حاج الماحي وودسعد وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي وأحمد المصطفى، وقرأوا شعر العباس والمجذوب، يحبون الوطن كما نحبه.. كما قال الروائي الكبير الطيب صالح طيب الله ثراه..!

 

*الإختلاف السياسي لايبرر لبعضنا محاولة الاقصاء والحرمان من الهوية والمزايدة على وطنية وأصالة الآخر المختلف معه سياسياً،فعلتها جماعة الطيب مصطفى مع أهل الجنوب فكان حصادها المر إعلان دولة جنوب السودان، وفعلتها الإنقاذ مع قادة الحركات المسلحة فكانت المقابر الجماعية لعشرات الآلاف من الضحايا في حرب عبثية هي المحصلة،وتفعلها الآن جماعة ترك شرقا مع من يختلفون معهم في المواقف السياسية فيزجون بالقبيلةوالهوية في أتون الصراع للقفز على حقائق التاريخ والجغرافيا مستغلين أذهان المركز الخاوية لممارسة مزيد من التغبيش،ولن يكون الإقليم الشرقي بمنأى عن شبح الحرب الأهلية والاقتتال الذي بانت علاماته الصغرى،في السنتين الماضيتين.. غير أن الحكومة غير مهتمة وغير مستعدة للاهتمام به!

 

* تبدومطالب المعتصمين أمام القصر قابلة للحوار السياسي بين طرفي الحريةوالتغيير دون تعنت فهي بالمجمل تدعو إلى إكمال هياكل السلطة وتكوين حكومة كفاءات،ويقول البعض ماهو الفرق بين موقف البشير الذي تجاهل مطالب المحتجين ووصفهم بأنهم حركات مسلحة واعداء الدين والوطن، وموقف المجلس المركزي للحرية للتغيير الذي يرفض تحديد ممثليه في اللجنة السباعية والجلوس حول مبادرة سياسية لراب الصدع إلا بعد موكب ٢٤ أكتوبر،كذلك رافضًا الإعتراف بوجود انشقاق داخل تحالف الحرية والتغيير، دامغا كل الاصوات الداعية إلى الإصلاح بأنها فلول وارزقية وغيرها من عبارات التخوين، مما دعا قادة الاعتصام أمثال مناوي وجبريل واردول والتوم هجو إلى الرد عليهم بالمثل.. مصوبين تجاههم قذائف مدفعية بأنهم كانوا يجلبون المعلومات سابقاً لصلاح قوش وأنهم وجدوهم في غرفة واحدة مع العسكر يخرقون الوثيقة الدستورية للمحافظة على كراسيهم الوثيرة..!!

 

*هذه الأزمة السياسية الطاحنة التي تمر بها البلاد لاينفع معها محاولة الانتصار للذات الحزبية أو الشخصية،كروت اللعبة التي تمتلكها الأطراف الان قد لاتصبح متاحة غداً،محاولات السخرية من المعتصمين وعمل غرف إعلامية تنتج مشتقات( الموز الإعلامي) لن تقود إلى تسوية سياسية رشيدة، محاولات المكون العسكري الفرجة على مايجري حتى تتسع الهوة السياسية لن تمد في أعمارهم السيادية، وماجدوي السيادة في بلد فقير تتقازفه الأزمات مثقل بالصراعات القبلية وشرقه مقفول وميناءه تسكنه العناكب وغربه يرزخ تحت نير الانفلات الأمني..
بمثلما أن الجميع شركاء في الأزمة يجب أن يكونون شركاء في الحل.. لن يزايد آحد على المعتصمين أمام القصر الذين اخرجتهم الأوضاع المعيشية المتردية التي قد لايشعر بوقعها المسؤولين أمثال وجدي صالح، فهم سودانيين يبحثون عن حقهم في قضاء عادل ومحكمة دستورية ومؤسسة تشريعية مثلهم ومثل الذين سيخرجون غداً.. فليس هنالك مواطن vip
واخر عادي إلا اذاكانت المعايير مزدوجة ومختلة..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى