هشام الكندي يكتب : مروي .. الوجع بالكوم

*مروي الوجع بالكوم .. اتملت البلد أحزان في الدبة العزيزة الغابة .. الناس ماتوا موت الضأن .. من يوم نزلت الحمى اتفشت لحدي الآن لاجابت خبرنا قناة لا ذاعونا في امدرمان .. لازار البلد حمدوك لا اتفقدا البرهان* .. حينما كانت الطائرات تقل المشاركين إلى جوبا لمراسم توقيع اتفاق السلام الدافوري حضورا من كل أطياف الشعب السوداني لم يتغيب أحد فقط حضرت لوشي دون قطتها التي خرجت ولم تعد ، ووزيرة المالية تمشي الهوينا بالشعر المموج ، وعلى أنغام ندى القلعة تمايل الجميع طربا وابتهاج ، حينها كانت جميلات المدن بمنحى النيل (فيك يامروي شفت كل جديد) وما جاورها من حزيمة والزومة والدبة وتنقاسي ومقاشي و النيل يعكس صداءة مع الموجة الصباحية بطنبور النعام آدم (الزمان لعذابي حكم ياعيون ابكي دمع الدم) كيف لا فالحمى النزفية عمت كل القرى والبيوت الصغيرة وكان فيضان النيل غمرها قبل الشهر حتى كانت التماسيح تلاعب الأطفال عند الشوارع إنه قدرهم المكتوب فالجمال مسحور فالحمى النزفية لم ترحم صغيرا ولا كبيرا تقتل وتقتل دون هواده كما يقتل الرصاص الناس لا دواء ناجع ولا علاج عنابر المشافي بكريمة ومروي والضمان امتلأت وتمددت باجساد طاهرة لم تعرف عن الحياة إلا حسنا وطيب يذهبون الى المزارع بالمناجل فجرا مع دعوات أولاد حاج الماحي ، فالجميع ينتحب والجميع يواسي والفقد واحد والحزن وأحد ولائحة الشرف ترتفع مع كل صوت لصافرة الإسعاف أو حينما تنظر سعاد لزوجها عبر الناموسية لتجده قد اغمض عيناه للوداع ، عشرات الموتى ومئات الإصابات خلال الشهر لترتسم الأحزان على النيل والجروف وتسقط نخلة الطيب صالح على الجدول حزنا فالموت بالمجان ولا علاج بالمال ، ووزارة صحة الولاية تنظر وليس في اليد حيلة وهي تكتب شهادة الوفاة تكتبها لنفسها وليس للمتوفي لانها وقفت تتفرج وأبناء النيل يموتون موت الضأن كيف يهدأ لك جفن أن تنام سيدي وزير صحة الولاية وأنت المكلف للحفاظ على صحة وحياة الناس ألم ترى جموع النساء النائحات الباكيات ووجوه الرجال العابسة والأطفال ينتظرون والداهم ليفتحوا الباب ليسلموا على جدو وبابا ليجدوه على كفن قماش أبيض ، أين أنت سيدي وزير صحة الولاية كيف يرضى لك ضميرك بالتوقيع لاستلام منحة راتبك الشهري وانت توقع على جثامين الموتى والمصابين فلم تعثر بغلة بمروي سيدي والي الولاية إنما مات إنسان يحمل بينة تاريخ حضارة نبتة و كوش ومروي والبركل ونوري إنسانا يحمل عشق الاديم والفكر والأدب والكرم والإقدام وأن يموت بطعنة سهم أو رمح ولا يموت معولا بالحمى لأن شرف تاريخه وانتمائه تمنحه شرف ذلك ، وهل يستحق إبن منحى النيل كل ذلك الحزن والألم لكن يبدو أن الزمان قد حكم وغير ملامح الأشياء في كريم بلادي فعذرا سيدتي مهيرة بت عبود فقد تيتم وترمل الناس بعدك لأن من جاءوا لخدمة الناس لا يعرفون تاريخ قدرك فسبات الحكومة العميق بالولاية والمركز أيقظ في الأهالي يد الجماعة تساموا فوق كل الآهات والجراحات عبر تنسيقية مروي يقدمون الخير والمساهمة من خلال الجهد الشعبي والعون الذاتي للاهالي بالداخل والخارج تضمد بها الأجساد من وهج الحمى اللعينة وعمل حملات الرش لنواقل المرض والتثقيف الصحي والعمل على تنسيق الجهود الرسمية والشعبية وتدعوا لإدراك الموقف عبر المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني داخليا وخارجيا حتى لايتفاقم حجم الكارثة الإنسانية كما تدعوا الحكومة للقيام بواجبها تجاه ذلك لأن من يموتوت جراء نزيف الحمى هم أبناء هذا الوطن ، واقليميا وجه معالي العاهل الأردني الملك عبدالله حكومته بتوفير أعلى درجات العلاج لطفل في السادسة عشر من العمر أصيب في إعتداء انتقامي وتناقلت الوسائط قصته وحين يوجه معالي الملك يكون الكلام إنتهى هؤلاء هم من يعرفون قدر المواطن وأهل النيل يموتون موت الضأن لا ذاعوهم في امدرمان لازار البلد حمدوك ولا اتفقدا البرهان ، فزورهم يا دكتور حمدوك فمزارع وظلال نوري ربما تكون أسعد من مزارعكم تجدون طيبة الناس والخضرة والوجه الحسن فاجبروا بالخواطر ، وضمضوا آهات وجراحات رسمتها الحمى على وجوه وجباه أحبتي بمنحى النيل وأصبح وجع الأسر بالكوم فنريد يا سعادة البرهان أن الكوم يكون كوم كرامة اللحمة توزع بعد الشفاء بإذن الله ننثرها عطرا وربيعا على رمال حلتنا بلون منقة ابوسمكة ورطب كريمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى