تحليل سياسي : محمد لطيف – شيطنة الشرطة .. أم هيكلتها ؟!

صبيحة يوم من الأيام الماضية أصدر مدير شرطة إحدى المحليات بولاية الخرطوم .. توجيها لكل رؤساء الأقسام في محليته .. فحواه ضرورة توقيف كل عتاة الإجرام من الدرجة الأولى والثانية .. وأضاف المدير عبارة ذات مغزى .. انتظر تقريرا بالنتائج في أو قبل الرابعة عصرا .. كانت النتيجة المباشرة أن حصيلة تلك الحملة الطارئة وفي الموعد الذي حدده المدير .. 12 متهما ممن تنطبق عليهم المواصفات .. وقيدت ضدهم بلاغات .. ! ماذا يعني هذا ..؟ هذا يعني ببساطة أن جهاز الشرطة إذا وجد القيادة المسئولة .. والمتابعة الدقيقة .. بإمكانه أن ينجز المطلوب منه و اكثر .. !
قبل اكثر من عام من الآن دُعيت ضمن مجموعة من الصحفيين لمقابلة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك .. كانت مداخلتي الرئيسية ان الديمقراطية الرابعة .. إن لم تجد أنيابا تعض به خصومها عند الضرورة .. فستسقط كما سقطت الديمقراطية الثالثة .. كان تعقيب رئيس الوزراء حينها أنه متفق مع ما طرحت .. وأن الترتيبات جارية لإنشاء جهاز للأمن الداخلي .. إختلفت مع رئيس الوزراء في طرحه وقلت له إن لديك الآن جهاز قائم بالفعل .. وهو جهاز الشرطة .. وخيارك الأفضل أن تهتم به وتعيد هيكلته وتبعد عنه من شوه صورتها .. وأساء إستخدام سلطاتها فيما أهدر حقوق المواطن .. صحيح أن السيد رئيس الوزراء إتفق معي يومها على ضرورة دعم الشرطة .. ولكن الصحيح ايضا .. أن البحث عن جهاز جديد ما يزال جاريا .. فلم نتفق يومها ولكن قناعتي ظلت راسخة ..!
ولعل هذا المدخل يقودنا لحملات شيطنة الشرطة .. التى تنتظم المشهد السياسي والإعلامي الآن .. فأي عاقل هذا الذى يحاول أن يقنع الناس .. وأي عاقل هذا الذي يقتنع .. بأن جهازا يجري الإعداد له الآن .. وعضويته لن تتجاوز الخمسة آلاف فرد بأي حال من الأحوال .. يمكن أن يكون بديلا لجهاز تجاوز عمره المائة عام .. وتجاوز عدد أفراده المائة الف ينتشرون في كل أصقاع السودان ..؟ الذي يتأمل في الأمر .. لن يخرج عن أحد إحتمالين .. إما أن من يقف وراء هذه الدعوة .. لا يتجاوز تفكيره الخرطوم العاصمة .. أو أن دوافع ذاتية هي التى تقف وراءها .. ! وهل صحيح ما يتردد عن أن الجهاز الجديد ليس بديلا للشرطة .. وأن مهمته الأساسية جمع المعلومات ..؟ فإن كان الأمر كذلك فالمفارقة التى تتجلى هنا .. أن إدارة الشرطة الأمنية .. القائمة الآن ضمن إدارات الشرطة .. المشيطنة .. كانت هي فى الأصل إدارة الأمن الداخلي .. وهي تقوم بذات الدور .. فما الجديد إذن ..؟
يجب أن نعترف أن جهاز الشرطة الحالي به العديد من المثالب .. مثله مثل كل الأجهزة التى تعرضت للإختراق والتوظيف السياسي .. طوال عهد الإنقاذ .. ينطبق هذا على جهاز الخدمة المدنية على سبيل المثال لا الحصر .. فهل فكر أحدكم في قيام جهاز بديل للخدمة المدنية .. ؟ أم أن المعركة تدور الآن حول أنجع السبل لإصلاح الخدمة المدنية وإستعادة إستقلاليتها ..؟
فلما لا ينطبق ذات المنطق على جهاز الشرطة كذلك ..؟ ولمصلحة من السعي لإهالة التراب على هذه المؤسسة العريقة ..؟ ولما لا تكون الدعوة لإصلاحها وتمكينها من إستعادة إستقلاليتها .. وقبل هذا وذاك دعمها دون سقف..؟ فالذى يجب أن تدركه الحكومة .. أن أمن المواطن مقدم على كل شيء .. وعليها أن تعلم .. أن توفير هذا الأمن مكلف جدا .. وعليها أن تعلم أن خيارها الأوحد لحماية المواطن .. وحماية النظام الديمقراطي هو جهاز الشرطة .. فلتذهب كل قيادات الشرطة الى الجحيم .. وليذهب كل فاسد فيها الى السجن .. ولكن يجب أن تبقى الشرطة جهازا مدنيا ذو مهام عظيمة ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى