تأملات- جمال عنقرة – الطريق الثالث .. قبل فوات الأوان

الخرطوم الحاكم نيوز
يقولون أن العاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ بنفسه، لكنني لا أدري ماذا يقولون عن الذي لا يتعظ لا بغيره، ولا بنفسه، وهذا هو حال كثيرين من السياسيين السودانيين، لا يتعظون أبدا، ولذلك وصف البعض السودان ببلد الفرصة الضائعة، فما أكثرها الفرصة التي ضاعت منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا، ودعكم من التى ضاعت قديما، أو التي ضاعت في سنوات الإنقاذ الثلاثين، ولا حتى التي ضاعت علي أيام مخاض ثورة ديسمبر المجيدة، ولا حتى بعد نجاح الثورة، ولكن نخشي أن تضيع الفرصة الأخيرة التي تجددت بعد توقيع سلام جوبا، ولما أوشكت هذه علي الضياع طرحنا مع آخرين كثر فكرة الطريق الثالث الذي يمكن أن يجمع شتات ما تبقي من أمل، فتستقيم مسيرة الثورة، وتستكمل ما تبقي من عمر المرحلة الإنتقالية الذي جددته اتفاقية سلام جوبا التي (صفرت عداد الثورة) علي قول أحد قادة الحركات المسلحة الموقعين على سلام جوبا.
ما يجري الآن علي كل السوح السودانية يوضح بجلاء أننا نسير نحو الهاوية، وأن الطريق الثالث نفسه لم تعد فرصته كبيرة في النجاح، ولا أقول أن ما طرح في الطريق الثالث هو آخر فرصة للنجاة، ولكنه آخر فرصة لإنقاذ المنظومة الحاكمة حاليا، وآخر أمل في أن تستكمل المرحلة الإنتقالية حسبما نصت عليه الوثيقة الدستورية، ولكنها حتما ليست الفرصة الأخيرة للحل، ولكننا نريد للحل أن يمر عبر هذه البوابة، وكما أشرت في مقال أمس الأول نريد مما نقول أن نقود المرحلة الإنتقالية إلى ما انتهت إليه الفترات الإنتقالية السابقة علي الأقل، وهو أن تنتهي بإقامة انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة، أما إذا عز ذلك، فحتما لن يقف الناس مكتوفي الأيدي، ولقد بدأ الناس الآن يبحثون عن حلول بديلة، وبدأت قوي فاعلة في الثورة، وفي المنظومة الحاكمة، شعبية وسياسية، وعسكرية تتحدث عن خيارات بديلة غير استكمال المرحلة الإنتقالية حسبما كان يخطط له، وخرجت الاتهامات الكبيرة إلى العلن.
الناس يتناقلون في كل المواقع والأمكنة الحديث الأخير للنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) فاتهم حميدتي قوي لم يسمها، ولكنه وصفها بطريقة (أول حرفها فاطمة بت عبد الغفا) وصفها بأنها غير ديمقراطية، ولا تعمل من أجل الديمقراطية، ولا تحرص علي إقامة إنتخابات، وتريد أن تحكم عشر سنوات بدون إنتخابات، وقال إنهم لا يريدون حكومة مدنية، ولقد مكنوا لمحسوبيهم ومنسوبيهم في كل مواقع الدولة، وكشف عن وجود إحصاءات بطرفهم توضح كل ذلك، واتهم حميدتي هذه القوي بأنها تقف وراء كل الفتن التي تشهدها البلاد، حتى يحولوا دون إكتمال برنامج التحول الديمقراطي، وقال إنهم لن يصبروا عليهم أكثر من ذلك.
وراج في المواقع والأسافير يوم أمس مقال للقيادي البارز في قوي إعلان الحرية والتغيير الأستاذ محمد وداعة اتهم فيه ثلاثة كيانات وأحزاب بالسيطرة علي مركزية الحرية والتغيير، وتجييرها لصالحها، وسمي هذه الكيانات الثلاثة بالتجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحزب البعث، واتهم هذه المجموعات الحزبية الثلاث بأنها مكنت لمنسوبيها في مفاصل الدولة والوزارات من خلال سيطرتها علي مركزية الحرية والتغيير، وقدم شاهدا علي هذا التكمين تقديمهم لمرشح واحد من منسوبيهم لبعض الحقائب الوزارية في حين أن المتفق عليه تقديم ثلاثة مرشحين لكل حقيبة يختار من بينهم رئيس الوزراء واحدا، ولكنهم قدموا في بعض الحقائب اسما واحدا فقط لوضع رئيس الوزراء أمام الأمر الواقع.
ولعل الناس قد تابعوا ما دار بين حزب الأمة القومي وبين مركزية الحرية والتغيير، فكانت الدكتورة مريم الصادق المهدي نائبة رئيس الحزب قد أعلنت في وقت سابق تجميد عضويتهم في لجنة التواصل الخاصة بتقسيم الحقائب الوزارية السبع عشرة الخاصة بقوي إعلان الحرية والتغيير اعتراضا علي سياسات الحرية والتغيير، والتي وصفها الحزب بأنها تعلي من شأن المكاسب الحزبية علي حساب المصالح الوطنية، ورد عليهم الناطق الرسمي باسم مركزية قوي الإعلان السيد إبراهيم الشيخ، ووصفهم بأنهم يعطلون التشكيل، ووصفهم آخرون بأنهم يغالون في المطالب، فظهر اللواء فضل الله برمة ناصر رئيس الحزب المكلف وقال إنهم لم يجمدوا التواصل، ولا يزالون علي موقفهم المقر بالمشاركة، واعتبر المراقبون هذا التراجع من السيد برمة سببه تهديد بعض قادة الحرية والتغيير، وقولهم انهم سوف يقدمون أسماء المشاركين في الحكومة سواء قدم حزب الأمة مرشحيه أو لم يقدمهم، فأراد حزب الأمة اللحاق بقطار الحكومة المرتقبة حتى لا يخرج من المولد بدون حمص، مثلما حدث له في تعيين الولاة الأول، فكان قد رفض المشاركة، وطلب من الذين تم ترشيحهم باسم الحزب الإنسحاب، فلم ينسحب أحد، وخرج المشاركون من بيت طاعة الحزب.
السيد التوم هجو صاحب مسار الوسط قال إن أهل الحرية والتغيير طلبوا منهم في الجبهة الثورية إعادة النظر في الوزارات السبع التي تم تخصيصها للجبهة الثورية، وأعلن رفضهم لهذا الطلب، وناصره في الرفض بعض زملائه في الجبهة الثورية، إلا أن متحدثا باسم مركزية الحرية والتغيير نفي ما نسبه لهم السيد التوم هجو.
يلاحظ الناس هذا الأيام خروج مجموعة من الشباب المحسوبين علي الثورة من لجان المقاومة، ومن تجمع المهنيين في مظاهرات، يغلقون الشوارع، ويقيمون المتاريس، ويشعلون الحرائق، وينادون بإسقاط الحكومة بشعارات ثورية، وينضم إليهم آخرون من الذين غلبتهم الحياة، فيهتفون (تسقط حكومة الجوع)
وكل ما ذكرت هو بعض نماذج محدودة من تجاذبات شركاء المرحلة الإنتقالية، هذا طبعا غير الصراع المحموم بينهم وبين خصومهم الآخرين والذين ارتفعت درجة التفاؤل عندهم، وزاد أملهم في النيل من الذين أقصوهم بعد سوء الحال الذي أصاب كل مجال، وبعد العجز الذي أصبح سمة ملازمة لهذه الحكومة في كل شئ، وإزاء هذا الوضع المضطرب لم يعد هناك أي خيار غير الطريق الثالث، وكل محاولات التسوية والترقيع التي يقوم بها بعض من بيدهم الأمر هي حرث في البحر، ولن يجنوا من ورائها غير السراب، لذلك نقول، ونعيد .. عليكم بالطريق الثالث قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى