الدكتور التجاني سيسي يكتب : النزاع في غرب دارفور _ مسبباته وكيف يمكن تلافي آثاره وآفاق الحلول ( ١ _ ٢)

الخرطوم الحاكم نيوز

الازمة في ولاية غرب دارفور هي احدى تجليات الازمة الامنية في دارفور، ومعالجتها تقتضي التعاطي مع الازمة الكلية، وعليه اسمح لي في البدء ان اشخص في مداخلتي الاولى بعض مسببات الصراعات القبلية في دارفور ، وباختصار شديد، ثم ادلف في مداخلتي الثانية الي بعض الحلول التي يمكن عبرها محاصرة هذه الطاهرة التي بدأت في الاستفحال منذ العام الماضي.
اشتهر مجتمع دارفور عبر التاريخ بالتسامح وكان نبذ العنف وعدم الاعتداء على ممتلكات الاخر من اهم سمات المجتمع الدارفوري. وكان للادارة الاهلية القدح المعلى في الحفاظ على الامن والسلم الاجتماعي، بيد ان الوضع الامني بدا يسوء تدريجيا لاسباب عدة يمكن ان نجملها في الاتي:
١. الاضطراب الامني في دول الجوار الذي لعب دورا محوريا في تأزيم الوضع الامني وخلخلة النسيج الاجتماعي وعلاقات المكونات الاجتماعية بدارفور خاصة التدخلات الاجنبية المسلحة في اعقاب ازدياد وتيرة الحرب التشادية- التشادية والتشادية – الليبية والتي زاد فيها الامر تعقيدا مطامح القذافي التوسعية واطماعه في المنطقة واستخدامه للبعد الاثني في حربه ضد حكومة حسين حبري وذلك بدعم المجموعات العربية في تشاد لاسقاط الحكومة ولم يتردد حبري في اللجوء الى والاعتماد على القبائل ذات الاصول الافريقية لمواجهة استراتيجية وتهديدات القذافي. وبما ان هنالك قبائل مشتركة بين تشاد والسودان تعمد اطراف الحرب التشادية الليبية احداث استقطابات اثنية في دارفور انعكست سلبا على الامن والسلم في دارفور.
٢. ادخلت ظاهرة النهب المسلح التي بدات بعد تدفق الاسلحة وانتشارها عند بدء الحرب التشادية- الليبية الشكوك انعدام الثقة بين مكونات اهل دارفور ومما زاد الامر تعقيدا تنامي الشعور عند اهل دارفور بعدم مقدرة الدولة على تامين سلامتهم من افعال عصابات النهب المسلح وعجزها عن حسم هذه الظاهرة فبدأوا في اقتناء السلاح لحماية ممتلكاتهم وللاسف استخدم هذا السلاح في الصراعات القبلية.
٣. في القرن السابع عشر بدأت سلطنة الفور في استحداث نظام لحيازة الارض عرف بنظام الحاكورة وذلك بمنح القبائل ديارا باسمها فاصبحت دارفور محكرة باسماء هذه القبائل ويرأس زعيم القبيلة ادارة الحاكورة. استمرت السلطة الاستعمارية في تطبيق نظام اهلي بني على ما ورثته من السلطنة. ادت هجرات القبائل من غرب افريقيا الى السودان نتيجة للجفاف والتصحر الذي ضرب دول الساحل واستقرارها في دارفور الى خلق المزيد من التعقيدات في نظام الحواكير لان القبائل الوافدة وجدت نفسها خارج اطر الحواكير فلجأت الى استخدام العنف لانتزاع الحواكير وبتشجيع من السلطة المركزية التي كثيرا ما اغمضت اعينها عن النزاعات الدامية التي كانت تدور في دارفور ، بالاضافة الى ترقية رؤساء ادارت وانشاء ادارات اهلية جديدة لا تتمتع بحقوق الحواكير مما ادى الى تأجيج وتيرة الصراعات القبلية وخلخلة الامن والسلم الاجتماعي.
٤. من اكبر الاخطاء التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد هي حل الادارة الاهلية بدون بديل في مجتمع تقليدي وعشائري.كانت الادارة الاهلية وعبر التاريخ تضطلع بدور كبير في حفظ الامن والسلم الاجتماعي وحل النزاعات بين مكونات المجتمع الدارفوري بل وتقديم الاستاذ اللازم للحكم المحلي. ورغم اعادتها في عام ١٩٨٨ الا انها اضعفت وذلك بفرض التعيين والعزل الذي كان مدخله التسييس وتعيين ادارات اهلية موازية للادارة الاهلية التقليدية من النشطاء السياسيين الذين كانوا يؤدون مهاما تداخلت مع مهام الادارة الاهلية التقليدية مما ادى الى تقويض دورها.
لم يقف الامر عند اضعاف الادارة الاهلية بل تجاوزه الى تجريدها من قيمتها الاجتماعية واحترامها وتم تصويب سياسات الحكومة عبر ولاة الولايات لمزيد من الاضعاف لها.
٥. من العسير لنا في هذا الاطار ان نتجاوز التدخلات المركزية السالبة للحكومات المركزية المتعاقبة على حكم السودان واثرها على السلم الاجتماعي في دارفور. كان لصدور قانون الحكم المحلي لعام ١٩٧١ “والذي اسميه أم النزاعات في دارفور ” الدور الاكبر في تحريك النزاعات القبلية في دارفور. فلقد اعاد ذلك القانون تقسيم الحدود الادارية للمجالس الريفية التي كانت قائمة آنذاك وعددها ٨، وتم انشاء ١٣ مجلس منطقة ومئات المجالس المحلية وبالتالى احدث ذلك القانون تغييرا في حدود بعض الحواكير ، مما ادى الى بروز نزاعات حدودية بين بعض المجالس المحلية سرعان ما تحولت الى صراعات قبلية دامية والامثلة كثيرة خاصة في جنوب دارفور الذي شهد اكثر النزاعات الحدودية بين المجالس الجديدة استمرت حدتها الى اليوم. لم تقف الامور عند ذلك الحد بل تم اعادة تقسيم دارفور الى ثلاثة ولايات واضافة ولايتين جديدتين و ٦٤ محلية وكانت لهذه التقسيمات الادارية تبعات سالبة على الحدود الجغرافية بين الولايات وبين المحليات في الولاية الواحدة ، ساهمت في اذكاء نيران الفتنة بين المكونات الاجتماعية وادت الى اضعاف وحدة ابناء دارفور ونماء النعرات الاثنية والقبلية بين ابناء الاقليم الواحد خاصة وان التقسيم كان على اساس قبلي.
٥. كان لابناء دارفور ايضا دورا في ما شهدته وتشهده دارفور الان من صراعات قبلية. فلقد تعمد بعضهم الى استخدام الاثنية والقبيلة لتحقيق اهدافه السياسية عبر منشورات تدعو الى مناصرة العرق فانقسمت دارفور على اسس اثنية، عرب وزرقة، ثم على اسس قبلية وسرعان ما وصل الاستقطاب الى افخاذ القبائل وبروز بعض الصراعات النخبوية التي القت بظلالها السالبة على مكونات المجتمع الدارفوري.
٦. الجفاف الذي ضرب منطقة الساحل الافريقي في سبعينيات القرن الماضي تسبب في نزوح داخلي كثيف من شمال دارفور الى جنوبه نتيجة للزحف الصحراوي مما ادى الى زيادة حدة التنافس حول المواردالطبيعية وبالتالي كانت المواجهات بين المزارعين والرعاة امرا لا مفر منها.
٧. انتشار السلاح وبصورة غير مسبوقة في تاريخ دارفور واصبح حمل السلاح من الظواهر المألوفة في دارفور نهارا جهارا دون تدخل من السلطات بل اصبحت الدولة طرفا اساسيا في توزيعه، بالاضافة الى سلاح الحركات والمعارضات المسلحة لبعض دول الجوار التي تتخذ من دارفور منصة انطلاق ضد حكومات دول الجوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى