حـدود المنطق- اسماعيل جبريل تيسو – تجييش الولاة، ضرورة تحتاج إلى اصطفاء

إسماعيل جبريل تيسو

صفقت الأسافير، وانفرجت أسارير مواقع التواصل الاجتماعي، فهللت بتسريب خبر عن اعتزام رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تعيين جنرالات من الضباط المتقاعدين، ولاةً لعدد من الولايات، ولعل مرد الفرحة الطاغية أن الضرورة المرحلية أملت على ضمير الواقع أن يكون ولاة الولايات من منابت وخلفيات عسكرية لمواكبة مطلوبات التحديات التي أفرزتها الحرب خاصة بعد تطاول ليل الجنجويد الذى أرخى سدوله بأنواع قاسية من الهموم، على الكثير من المناطق خارج العاصمة الخرطوم، حيث تمددت وتوسعت ميليشيا آل دقلو ونقلت انتهاكاتها وجرائمها التي يندي لها الجبين، وتسير بها الركبان، إلى معظم ولايات السودان.
إن الفرضية التي يمكن اختبارها من ظاهرة استمرار وجود ميليشيا الدعم السريع رغم العمليات النوعية التي تقوم بها القوات المسلحة مسنودة بالقوات النظامية والأجهزة الأمنية والمجاهدين والمستنفرين، لن تخرج من حقيقة مريرة وهي وجود امداد مستمر لهذه الميليشيا المتمردة، يصل إلى البلاد بشكل منتظم، رغم إغلاق طريق الصادرات أم درمان – بارا- الأبيض الذي يربط الخرطوم بدارفور، ورغم الضربات التي ظل يوجهها الطيران للارتال المتحركة على الأرض من هذه الميليشيا الإرهابية، على البوابات الحدودية، وبالتالي فإن محاصرة هذه الميليشيا وتجفيف منابع دخولها وانتشارها يتطلب خططاً واستراتيجيات عسكرية على مستوى الولايات الحدودية أو الولايات التي تمثل مهداً أو معبراً لهذه الميليشيا وسندها من المرتزقة، ولن تُنفذ هذه الخطط والاستراتيجيات بالشكل المطلوب إلا بوجود ولاة عسكريين يُحكمون من تنسيق الجهود والمواقف مع قادة الوحدات والمناطق والفرق العسكرية المنتشرة في الولايات.
قطعاً لقد رضي الشعب السوداني عن القوات المسلحة وهي تخوض معركة الكرامة وتمتصَّ صدمة البدايات، لتنقضَّ على ميليشيا الجنجويد وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والأنفس والمعدات، وحتى لا تروح هذه الجهود هدراً، كان تحرك القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس السيادة، وأركان حربه في هيئة القيادة، لتلبية مطلوبات المرحلة بتسمية ولاة من ضباط الجيش المتقاعدين، وفي ذلك حكمة بالغة إذ إن الفترة التي قضاها هؤلاء الضباط بعيداً عن ( الميري) أكسبتهم خبرة ( ملكية) يستندون عليها وهم يجلسون على كرسي (الوالي) لمقابلة احتياجات الناس في الخدمات الضرورية، وتلبية حاجاتهم الاجتماعية، والتعاطي في الوقت نفسه مع الشأن السياسي، إضافة إلى الفكرة العسكرية التي ساقت هؤلاء الولاة العسكريين ليكونوا ظل رأس الدولة في الولايات.

إن تجيش ولاة الولايات بات ضرورة ملحة يفرضها واقع الحرب الماثل والذي ألقى بظلاله السلبية على الكثير من مناطق السودان، نقول ذلك وفي دواخلنا الكثير من العرفان والتقدير للولاة المكلفين من الضباط الإداريين الذي كان لبعضهم جهود مقدرة قبل اندلاع الحرب في محاولات المستمرة للارتكاز على حدود النهوض بالخدمات الأساسية للمواطنين، ولكن مع افتقاد الأمن والأمان، تفقد الحياة معناها وقيمتها في ظل تمدد شبح الفزع والرعب والوجع، وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً، وأول الغيث قطرة، وننتظر المزيد من الولاة العسكريين في مناطق أكثر حاجة ومنطق، وبعدها نتوقع من قيادة الدولة إعلان حكومة حرب طارئة تُعنى بقيادة البلاد في راهن الحرب الماثل، وفي مرحلة ما بعد الحرب، حيث تعتبر تلك المرحلة أكثر حساسية، تحتاج إلى وجود عناصر قوية وأمينة وذات ثقة في التصدي لكافة التحديات المقبلة، فما أفرزته الحرب من خذلان في بعض المواقع السيادية والوزارية تضع البرهان أمام طريق واحد هو الفحص والتمحيص المبين قبل الاختيار والتعيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى