تأملات – جمال عنقرة – ظلم كباشي .. مزاج سودانوي

الخرطوم الحاكم نيوز
لا بد قبل كل شئ أن أحيي إبني الحبيب المبدع الأستاذ عمار فتح الرحمن شيلا مدير قناة النيل الازرق الفضائية علي الحوار المتفرد الذي أجرته القناة مع إبننا المتميز سعادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، وعندما أقول إبني عمار، لا أعني بنوة المهنة فقط، ولكنه أيضا ابني دما ولحما، ونسبا وصهرا، فوالده ابن عمي الزعيم الراحل فتحي شيلا، يدخل في ال 102 كما يقول أخي أبو ملاذ، وتلك إشارة إلى أخوات وأخوان أبي الإثنين فوق المائة من بنات وأبناء والده الأمير النور عنقرة، أما بنوة كباشي فلقد كتبت عنها قبل ذلك تفصيلا بعد واقعة الحتانة المشهورة، وهي أيضا (دم ولحم) والتحية يجب أن تمتد إلى الزميلة المبدعة الأستاذة نسرين النمر، التي أجرت حوارا، تميزت به عن حوارات عدة أجراها كبار وصغار، نساء ورجال.
ودعونا ندخل إلى الحديث عن هذا اللقاء المتفرد، بما خرجت به نسرين من خلف الكواليس، وختمت به اللقاء، وهو قول كباشي أنه تعرض لظلم كبير، وفي تقديري أنه لن يكون كباشي بتاريخه ومواقفه، ونجاحاته المرصودة طوال مسيرة حياته، لو لم يتعرض لمثل هذا الظلم، فالسودانيون كان لهم مزاج غريب، فعلي عهدنا كان الطلاب يجمعون علي ضرب المتفوقين، لا سيما إذا كان الطالب المتفوق من قلة، أو ليس له سند ولا عضد، وكان شعارهم (الطيش عند الله بعيش)، وأذكر عندما كنا طلابا في مدرسة عاصمة كردفان بالأبيض كنت أحتكر (الأول) ولسعة دائرة علاقاتي وصلاتي، كان الأمر يمر مرور الكرام، هذا فضلا عن أن العاصمة كانت مدرسة أولاد قلب عروس الرمال، وكان كل طلابها من الموهوبين، وكان يساند بعضهم بعضا، وفي واحدة من الفترات الدراسية تفوق علي أخي وصديقي الراحل عادل عيدو جورج وجاء هو الأول وجئت الثاني، فتوقع أهله أن يصيبه بعض ما يصيب المتفوقين في مدارس أخري، فحشد شقيقه الياس (علاء) صاحب شركة فوجي هاوس المشهورة اليوم، وكان وقتها طالبا في مدرسة النهضة المصرية بالأبيض، حشد بعض أهله وأصدقائه لحمايته من بطش زملائه الذين تفوق عليهم، ولكنهم تفاجأوا عندما شاهدونا نخرج معا، ورافقناه حتى منزلهم، وشاركناه شربات التفوق الذي صنعته لنا والدته ماما وداد شنودة.
والذين يعتدون علي الفريق أول ركن شمس كباشي، يفعلون ذلك بذات العقلية القديمة، عقلية ضرب الأول، وكباشي ظل يحتكر البرنجية منذ أن كان طفلا صغيرا، ويشهد علي ذلك زملاؤه الذين رافقوه في كل المراحل الدراسية، وكلهم يشهدون أنه لم يكن كثير قراءة، وكان عاشقا لكرة القدم، وكان يخلد إلى النوم باكرا، ومع ذلك لم يكن ينافسه أحد علي المركز الأول، وعندما امتحن الشهادة السودانية كان يمكن أن يدخل كلية الهندسة، ولكنه اختار مصنع الرجال، وعرين الأبطال، الكلية الحربية، وهنا لا بد من وقفة، صحيح أنه لم يكن أول الدفعة 32، ولكنه كان ثاني الدفعة، وما أدراك ما ثاني الدفعة، ولكن هناك حقائق أخري ملازمة لابد من توضيحها، ولعلها هي التي جعلت كثيرين يقولون أنه أول الدفعة، فلقد كان متفوقا في كل المواد، وتأخر فقط في (البيادة) وهذه هي التي قذفته إلى المركز الثاني، ولكنه ظل بعد ذلك يحتكر المركز الأول في كل الدورات العسكرية والأكاديمية إلى يومنا هذا، ثم أن الذي قد تفوق عليه في التخرج، ترجل منذ سنوات عدة من صهوة جواد العسكرية، ولم يبق اليوم من زملائه في الدفعة 32 في الخدمة سوي ثلاثة، الفريق أول ركن جمال عبد المجيد مدير جهاز المخابرات، والفريق ركن مجدي عثمان نائب رئيس هيئة الأركان إمداد، والفريق الركن عصام سعيد قائد القوات الجوية.
لقد كشف لقاء النيل الأزرق تميز وذكاء وعبقرية الكباشي، ووضوح رؤيته، ولذلك ظل طوال يوم أمس مثار أحاديث الناس المباشرة وغير المباشرة، وقدم أجوبة مقنعة لكثير من الأسئلة الحائرة، وعلي سبيل المثال رغم تأكيده علي بعض نقاط ضعف في مسائل أمنية، لكنه قطع الشك باليقين، وأزاح تماما كل هواجس انفلات أمني محتمل، ثم جاءت عباراته عند الحديث عن القائد عبد العزيز الحلو، واضحة، بغير توتر، ولا مزايدة، فأكد أن الأمر لا يزال كما كان في شهر نوفمبر من العام الماضي، وحول العلمانية نقطة الخلاف الأساسية قال إنها موقف لحركة الحلو فقط، ولا يتفق معه فيها أهل ولاية جنوب كردفان الآخرون، ومعلوم أنه يصعب علي أحد أن يزايد علي الكباشي في علم المعرفة، وعمق الإنتماء، وجزيل العطاء لولاية جنوب كردفان.
مسألة مهمة جدا أعجبني حديثه فيها وهي مسألة شرق السودان، فعندما سألته الأستاذة نسرين عن احتمال تأجيل الوفاء بالتزامات مسار الشرق في التشكيل الحكومي القادم، أبان لها أن الإتفاق يستوجب الوفاء بالاستحقاقات، ولكن المصلحة قد تقتضي غير ذلك، وإشارات حديثه تقول أن الارجاء أوفق، لو توافقت الأطراف عليه، وأعني بالأطراف الموقعين على المسار، والرافضين له، ولا بد هنا أن أقول أن كل أطراف مسألة الشرق يكنون تقديرا خاصا للسيد كباشي، ويراهنون عليه، وفي مقدمتهم الناظرين الكبيرين ترك ودقلل، وأذكر عندما نشر خبر يفيد بأن الفريق كباشي تعهد بحماية أهل مسار الشرق، وتوصيلهم إلى هناك، وكان الهدندوة قد هددوا بمقاطعة طريقهم، اتصل بي الناظر ترك، وطلب منى التأكد من صحة هذا الخبر لأنه لا يشبه الكباشي، فلما اتصلت بسعادة الفريق أول، قطع بأن هذا التصريح لم يخرج منه، ولا من أي عضو من أعضاء مجلس السيادة، وأصدر المجلس نفيا لهذا التصريح. وعموما يبدو أن أزمة الشرق في طريقها إلى الانفراج، وأعتقد أن التوافق علي التأجيل، في مصلحة الحل، ومصلحة الجميع، وكان الكباشي قد نفي وجود تدخل خارجي مباشر في أزمة الشرق، لكنه قال إن المناخ الموجود يحفز علي التدخل، وتمرير الأجندة الطامعة.
تحدث الفريق أول كباشي أيضا عن ما يثار حول إنضمام السودان إلى محاور إقليمية، ويقصدون الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ونفي تمحور السودان في أي جهة، ولكنه أبان أن سر تميز العلاقات السودانية الإماراتية والسعودية يعود إلى أنهما أول وأكثر من دعم حكومة المرحلة الإنتقالية، وما يراه الناس من تقارب معهما، هو من باب الوفاء لمن أعطي دون من ولا أذي، كما دفع التهم التي يوجهها البعض إلى التعاون العسكري السوداني المصري، وأكد أنه يأتي ضمن خطة الدولة لرفع كفاءة المؤسسة العسكرية وتطويرها، وهو أمر لا يستهدف جهة ثالثة، ولا يوجه رسالة لأحد.
حديثه أيضا عن السلام وحركات الكفاح المسلح، والقوات التي دخلت البلاد من الحركات كان واضحا وصريحا، فهو لم ينف بعض التعثر، ولم ينكر بعض التحفظات، لكنه قطع بعدم وجود مخاوف من تلك التي يثيرها البعض، وأوضح أن الأمر لا يزال تحت السيطرة، ولن يخرج عن السيطرة بإذن الله تعالي.
وبرغم أن الفريق أول ركن شمس الدين كباشي إبراهيم نفي نفيا قاطعا، وجود أي رغبة عنده للتحول إلى سياسي وحاكم بعد انتهاء الفترة الإنتقالية، وأن وجوده في الموقع القيادي في المؤسسة العسكرية إبان الانتفاضة فرض عليه هذا الدور، الذي يمارسه من واقع مسؤوليته الوطنية، وقيادته العسكرية من خلال موقعه ايام الثورة واحدا من نواب رئيس هيئة الأركان، ولا يرغب في التحول إلى سياسي، إلا أن كثيرين شهدوا علي أنه تفوق خلال هذه الفترة علي كثيرين من السياسيين المحترفين، لدرجة أن كثيرين صاروا يراهنون عليه، وعلي المستوي الشخصي، ازددت يقينا واطمئنانا، وايقنت أن الجيش لن يخذل شعبه بإذن الله تعالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى