تأملات – جمال عنقرة – عروس الرمال .. ذكريات تتجدد

الخرطوم الحاكم نيوز
تمكنت يوم أمس الأول السبت بحمد الله تعالي من زيارة مدينتنا الحبيبة الأبيض عروس الرمال، ابو قبة فحل الديوم بعد انقطاع لنحو عامين تقريبا بسبب ظروف الكورونا نسأل الله أن يرفع بلاءها، وظرفي الصحي الخاص الذي تجاوزته بفضل جهود الأخوة في مستشفي أحمد قاسم، ودعوات الأهل والأحباب والأصحاب من بعد فضل الله تعالي العظيم المنان، وكانت تلك أطول فترة أغيب فيها عن عروس الرمال وأنا موجود في السودان.
أول من التقيته من الأهل والأحباب كالعادة كان أخي ورفيق العمر عبد الله عبد المطلب الهدي، ثم كانت الزيارة الأولي المعهودة إلى رفقة الطفولة والصبا، أبناء وأحفاد خالي المرحوم الشاويش محمد ريحان مصطفي (أبو آمنة) وخالتي ووالدتي زهرة بت جبارة، وعندهم اتصلت بالأخ الأستاذ خالد مصطفي والي ولاية شمال كردفان، وكنت قد وعدته بالزيارة في أول زيارة إلى مدينتنا العروس، وكما أشرت في مقال سابق فإن الأستاذ خالد لم تكن تجمع بيننا صلة ولا معرفة، إلا أن معلومة أنه درس في مدرستنا عاصمة كردفان، التي زودني بها اخي يس جعفر العاص، جسرت بيننا المسافات، وخلقت بيننا روابط وأواصر عضدت من تلك التي تربط بين الكرفانيين جميعا، فأكرمني الأستاذ خالد بمعلومة مهمة، حيث نقل لي خبر العملية الجراحية الناجحة التي أجريت لحبيبنا الأستاذ الفنان الرائع محمد عثمان الحاج، أجراها له النطاس الكردفاني الماهر، الشاعر المرهف الدكتور هاشم جبريل تيسو، وأخبرني أن الأستاذ الحلاج قد غادر المستشفى، وهو يقيم مع أخي الموثق الحجة الأستاذ خالد الشيخ حاج محمود، فوجدتها فرصة لاقطتاف أكثر من ثمرة في عملية واحدة، معاودة الأستاذ الحلاج، وتعزية أخي خالد وزوجته السلطانة منى في والدتها التي رحلت إلى رحاب ربها خلال فترة غيابي عن العروس، نسأل الله لها الرحمة والمغفرة.
وبقدر سعادتي بزيارة الحلاج وخالد الشيخ، وجدتهما أكثر سعادة بالزيارة منى، ذلك أن سيرتي كانت حاضرة بينهما طوال ايامهما الماضية يتحدثان عن العلاقات السودانية المصرية، ويرون مع آخرين كثر أن توثيق وتعزيز العلاقة مع مصر يجب أن تكون في أول أولويات السودانيين في هذه المرحلة، ولذلك ظلوا يذكروني كثيرا، ويتحدثون عن المبادرة الشعبية التي نقودها مع مجموعة من الأحباب العارفين قيمة العلاقات السودانية المصرية، وأعلن الأستاذان الممتازان الحلاج وخالد الشيخ انضمامها للمبادرة، واستعدادهما للمساهمة في دفعها بما أوتيا من قوة، ويا لها من عظيمة قوة الرجلين وكسبهما، وذلك أمر يسعد له المرء وبه يطمئن قلبه.
جلستنا مع الأستاذين الحلاج وخالد الشيخ، كانت فرصة لاجترار الذكريات، ودائما مع الحلاج نتحدث عن عمتنا بتول بت سليمان ود مصطفي والدته الحنينة، وعن صديقتها الحميمة عمتي ستنا بت النور عنقرة لهما الرحمة والمغفرة، وكلما يأتي ذكر عمتنا ستنا يتذكر الحلاج عندما كانت تأتي، وترسله عمتي بتول ليحضر لها علبة سجائر (أبونخلة) إلا أن حالة الاستشفاء هذه المرة لم تسعفه لمحاكاة قدلتها وهي تتبختر والسيجارة في يدها، ويتذكر خالي المحاسب والحكم المشهور في ذاك الزمان، عباس نيل، ويتذكر الحلاج بنطال وقميص الخال الأبيضين وكان يمتلك منهما (دست) ولم يكن يلبس غير الأبيض إلا زي الحكام الأسود، وكان دائما ما يأخذ معه الحلاج إلى دار الرياضة في المباريات التي كان يحكمها، ويتذكر معه ابنته موظفة الاحصاء الأشهر في كردفان، عفاف عباس أرشيف مواليد الأبيض التي تحفظ السجلات أكثر مما يحفظ الحاسوب، حفظها الله ورعاها. وبينما نحن نتجاذب أحاديث الذكريات اتصل الأخ فاضل نادر بالأستاذ الحلاج ليطمئن علي صحته، وأسرة فاضل نادر كانت من أعلام عروس الرمال، وفاضل نادر الكبير من سوريا، وزوجته من الأرمن، ولكنهما كردافة مثل عموم الكردافة، ومثلهم آل عيدو جورج، وال عبده بشاي، وال مكين، وال عزمي، وغيرهم من الكردافة الأصلاء. وتحدثنا كذلك عن قبر اليهودي (ساسون البني) الذي جاء من النهود للاستشفاء في الأبيض وتوفي فيها، ولم يرض المسيحيون دفنه معهم. فدفن بجوار مقابرهم، وأقيم له سياج خاص، وكان في مدينة النهود عدد من اليهود دخل أكثرهم في الإسلام منهم عمنا ابراهيم إسرائيل والد الأخت ليلي أرملة أخينا وأستاذنا الصحفي حسن الرضي، التي كانت سكرتيرة للدكتور بهاء الدين محمد إدريس أشهر وزير رئاسة جمهورية في عهد الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري. وتحدثنا مع الأخ خالد الشيخ عن والدة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات أم سترين بت خيرالله، وهي من الكواهلة، تزوجها والد السادات عام 1916م في بارا عندما أتي مع الحملة التي أتت للقضاء علي سلطان الفور السلطان على دينار، وذهبت معه إلى مصر، وأنجبت ابنه محمد أنور وأشقاءه، وبدلوا اسمها إلى (ست البرين)، وقبل أن أغادر الحبيبين الحلاج وخالد الشيخ، اتصل الحبيب عبود عبد الرحيم، فنقلت لهما الهاتف، وكانت فرصة لاجترار ذكريات أهلنا الجبلاب في الأبيض، ولقد كانوا من أركان العروس وأوتادها، وكنت قريبا من كثيرين منهم، لا سيما جد عبود لوالدته عمنا البشري والد زميلنا عبد الرحمن – رد الله غربته – وعدد من زملاء الدراسة معتصم الجعيلي، وابو عبيدة، ويحي وطارق، وغيرهم.
الزيارة الثانية قمت بها إلى عمنا ورمزنا وكبيرنا المبجل العم سليمان دقق، وبعبقرية عم سليمان أراد أن يرسل لي رسالة تأكيد علي حضور ذاكرته، وصفاء ذهنه، وهي من الصفات التي يتميز بها، غير كثير من جميل الخصال والفضائل، فسألني عم سليمان، (مشيت أم روابة قريب؟) أطال الله عمرك وحفظك لنا ذخرا عم سليمان علم كردفان وجبلها الأشم الراسخ.
هيأ لي إبننا القذافي دينمو وزارة الإنتاج والموارد الإقتصادية زيارة إلى المدير العام للوزارة الدكتور إدريس موسي آدم عمر، وأسعدني أكثر أن الرجل مهني وأكاديمي من الطراز الأول، وله رؤية واضحة لتعظيم الإنتاج وتنمية الموارد في الولاية، وهو رجل مسكون بحب كردفان واهلها، وهذا أكبر حافز له للعطاء، وله شخصية محترمة، ويحترم الناس، ويجبر كل من يلقاه علي احترامه، فاستبشرت به خيرا، وأبشر به أهله في كردفان، ومثله ممن تنعقد عليهم آمال البناء والتنمية.
جدولي كان مزدحما بالزيارات التي أخطط، لها، منها معاودة أخينا الأكبر وشيخنا الشيخ حسين حفظه الله ورعاه، والشقيق الحبيب محمد ود المامون، والكابتن أحمد عوض جادين، وكنت أخطط لحضور عملية الكابتن كمال قدم الخير (نبلة) وكان قد حدثني عنها أخي الحبيب الدفعة محمد صالح طه الدقيل، وكتب محمد صالح في شأن عملية كابتن كمال (الوفاء قيمة إنسانية نبيلة تبين مدى رقي الإنسان وسمو أخلاقه.. الإرتباط بالأمكنة إحساس رفيع يمثل مزيج رائع من الحنين والذكرى والشوق وعندما يحركنا هذا المزيج الرائع يكون العطاء بلا حدود ويكون الإنجاز أيقونة تجسد معنى الوفاء والعطاء…..
من لا يشكر الناس لايشكر الله ….هاتفني الاخ كمال قدم الخير (نبلة) ولسان حاله يلهج بالشكر لمجتمع الابيض الرائع صاحب الثوب الناصع والفضيلة ويكفي الابيض أنها تمثل المدينة الفاضلة وهو يبعث اسمي ايات الود للإخوان دكتور سفيان ايدام أخصائي جراحة العظام والدكتور اسماعيل (ابوكشوة)اخصائي جراحة العظام والدكتور مدثر آدم بريمة المالك لمستشفي (اوكسترا كير)وهم يتفاعلون معه في محنته ويقدمون الدعم الكامل ويتكفلون بإجراء العملية والمستشفي كدعم منهم .. وهنا نحن نقف اجلالا واحتراما لمجتمع الأبيض الراقي وهم يستجيبون للنداء قبل أن يجف المداد، وشكر ثانيا، دكتور سفيان ودكتور ابوكشوة ودكتور مدثر وانتم تنزلون واقع الطب والرسالة السامية في الواقع وتحية خاصة لكم من كل رياضيي الأبيض ونادي الأهلي الرياضي)
وكنت أنوي زيارة خريجي عاصمة كردفان الذين يتولون قيادة مواقع في الولاية ولا أكتفي بالاتصال الهاتفي، الأخ الأستاذ خالد مصطفي الوالي، والبروفيسور بابكر كرامة مدير جامعة كردفان، والأستاذ سيد أحمد علي محمود مدير تلفزيون الولاية، والأخ الكابتن حسن مكي حميدة مدير المراسم، ولقد أتاح لي وجودي مع الأخ عبد الله الهدي مقابلة الزميلين مكي يوسف البر، والتجاني عبد الرسول، وابننا المراسمي اللطيف قدورة. وكنت أنوي زيارة بيوت كان يكرمني أهلها، وبيني وبينهم مودة وتواصل حميم، منزل أستاذي وعمي محمد الشيخ القرشي، ومنزل شيخي وأستاذي العظيم الدكتور الفاتح النور، ومنزل شيخي وأستاذي ومعلمي مولانا الغالي جديد، ومنزل أخي وأستاذي كرار إبراهيم فرح، ومنزل أخي الحبيب بكري احمد السيد لهم الرحمة والمغفرة.
وكنت في طريقي إلى زيارة أبناء خالي أحمد جبارة، حياة وجبارة، وسهام التي زاد من حرصي علي زيارتها عزاء زوجها عطا في شقيقته التي رحلت لها الرحمة والمغفرة، ومنها كانت النية زيارة ابن خالتي الأستاذ عثمان عوض الله، وابنة خالي الأستاذة جواهر بابكر جبارة، وكنت أنوي الذهاب إلى ال عبدالفضيل للعزاء في فقدهم العظيم صديقنا الراحل كابتن ابوعاقلة (جمعة)، إلا أن وصول نبأ وفاة عزيزين في ام درمان وبحري اضطرني لقطع الزيارة والعودة إلى البقعة، فتوفي ابننا أحمد ابن أخي النور ود أحمد عبدالله جادو، والده النور ابن عمتي الشول بت النور عنقرة، وتوفيت أختي الميرم سيدة ابنة الأمير ادم هجام، وأمها خالتي الحبيبة الميرم هانم ابنة الأمير حمزة ابن السلطان علي دينار، فاضطررت إلى قطع الزيارة، وقبل العودة مررت علي الحبيبة الغالية عبير ابنة أخي الشهيد داود ريحان، ووجدت معها أختنا نازك قمر الدين بكراوي، أرملة زميلنا الحبيب عادل البلالي، وطمأنتني علي صحة والدتها خالتي مدينة، ومع عبير زرنا عمتها عميدة الأسرة شقيقتي قدالة عز الدين، فعدت ولا زال شريط ذكريات عروس الرمال يتجدد ويتمدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى