صلاة العيد في أديس أبابا تجربة فريدة للغاية.. كيف قضي الإثيوبيون إجازة العيد؟

الحاكم نيوز : مصطفى جامع

للأعياد نكهة خاصة في إثيوبيا، ذلك البلد الذي يمثل جسر التواصل بين العالم العربي والإفريقي، فنصف سكان إثيوبيا تقريباً من المسلمين ونصفهم الآخر من المسيحيين يعيشون جنباً إلى جنب في سلام ووئام، ويتشاركون سويّاً الفرحة بالأعياد المختلفة، فالحكومات الإثيوبية ــ ومنذ سنوات طويلة ــ تُضمّن أعياد المسيحيين والمسلمين في العطل الرسمية للدولة حرصاً منها على عدم التمييز بين الطوائف الدينية والتزاماً بدستور عام 1994 الذي ساوى بين جميع الأديان وينص بوضوح على أن إثيوبيا دولة علمانية لا علاقة للدين فيها بالدولة.

 

الأعياد في ذروة موسم الأمطار

كنت من المحظوظين بتمضية عيدي الفطر والأضحى عدة مرات في إثيوبيا التي تتميز بأجواءٍ معتدلة طوال العام، لكن الأمطار تبدأ في الهطول بشكل خفيف من فبراير/شباط ثم تزداد وتيرتها تدريجياً لتتحول إلى متوسطة في مايو/أيار وتصبح غزيرة إلى غزيرة جداً في يوليو/تموز وأغسطس/آب، والشهران الأخيران يمثلان ذروة موسم الأمطار قبل أن تعود وتنخفض في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، وعليه يلاحظ من هذا الوصف أن عيدي الفطر والأضحى يصادفان ذروة موسم الأمطار في إثيوبيا خاصة العاصمة أديس أبابا، مما يضفي أجواءً من البهجة والانتعاش على الاحتفالات بالعيدين.

تبدأ الاستعدادات وسط الأسر الإثيوبية لعيد الأضحى قبل أيام منه، فيتوجه العديد من الناس نحو الأسواق لشراء خروف الأضحية والمستلزمات الأخرى من الملابس والإكسسوارات، بينما تنشغل النساء بتهيئة المنازل وتزيينها إضافة إلى تجهيز قوالب الحلوى والكعك بهمة ونشاط، غالباً ما تتعاون نساء الحى الواحد مع بعضهنّ البعض، فالمجتمع الإثيوبي يتميز بالتكافل وروح العطاء.

1.5 مليون مسلم يؤدون صلاة العيد في مكان واحد

أهم ما يميز عيدي الفطر والأضحى في العاصمة الإثيوبية بالتحديد هو الجمع الهائل من المصلين الذين يحرصون على أداء صلاة العيد في استاد أديس أبابا وما يحيط به من ساحات وشوارع جانبية، فالاستاد بطبيعة الحال لا يمكنه استيعاب نحو مليون ونصف المليون شخص، عدد المصلين بالتقريب في أعياد ما قبل جائحة كورونا. بطبيعة الحال اختلف الوضع هذا العام فقد قررت السلطات الحكومية إقامة صلاة العيدين بأعداد محدودة في ساحات المساجد المتفرقة داخل الأحياء حرصاً على سلامة الناس من انتشار الفيروس.

تجربة الصلاة في استاد أديس أبابا وما حوله، تجربة فريدة من نوعها لا يحس بعظمتها إلا من جربها على أرض الواقع رغم الصعوبات التي تواجه الشخص، وأولها الاستيقاظ في وقت مبكر والخروج من السادسة صباحاً، ذلك لأن إجراءات التأمين تكون عالية جداً، إذ تقوم الشرطة الفيدرالية وشرطة العاصمة أديس أبابا بإغلاق كل الطرق المؤدية للاستاد منذ ليلة العيد وإخضاع الأشخاص للتفتيش الذاتي في نقاط عديدة قبل الاستاد وما حوله، حرصاً على سلامة الحشود الكبيرة، فرغم التسامح المجتمعي الذي تحدثنا عنه في بداية المقالة تتخذ السلطات الأمنية كافة الاحتياطات لمجابهة كل السيناريوهات والاحتمالات مهما كانت ضئيلة.

فحتى لو كنت تمتلك سيارة فإنك ستضطر إلى إيقافها على بعد 5 أو 6 كلم على الأقل من استاد أديس أبابا نسبة لإغلاق الطرق بواسطة الشرطة، ستحتاج إلى المشي سيراً على الأقدام لمدة 20 إلى 30 دقيقة لتصل إلى البوابات الرئيسية حيث نقطة التفتيش الذاتي النهائية التي يُسمح لك بعدها بدخول الاستاد، وقبل ذلك يجب أن تحمل معك مظلة للوقاية من الأمطار التي يمكن أن تهطل في أي لحظة، ويجدر بك كذلك إحضار سجادة الصلاة الخاصة بك، فالسجادات العامة قليلة ولا يمكنها استيعاب هذا العدد المهول.

أتذكر صلاة العيد العام الماضي في أديس أبابا، كانت السحب الداكنة تغطي أرجاء المكان والرذاذ الخفيف يهطل على الجموع الهادرة لكن لحسن الحظ لم تشهد ساعة الصلاة والخطبتين أي هطول لأمطارٍ غزيرة، ولو هطلت لكان الأمر أشبه بالكارثة لأن الاستاد مكشوف وربما حدث تدافع من الحشد الكبير لمحاولة الاحتماء من البلل، شهدنا الصلاة وتحدّث الشيخ محمد أمين جمال، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية “آنذاك” عن عظمة شعائر الحج، ودعا الجميع إلى تفقد الجيران وإحياء قيم التكافل وتوزيع لحوم الأضاحي على غير المقتدرين.

أهازيج وفرح في الطرقات

الخروج من استاد أديس أبابا كان معركة في حد ذاته، فرغم أن كل البوابات تم فتحها لإخراج المصلين استغرق وصولنا إلى الشارع العام ما يقارب الـ30 دقيقة مع ملاحظة أن كل الطرق المؤدية إلى الاستاد مغلقة بواسطة الشرطة الفيدرالية، لذلك لم أجد أمامي سوى المشي إلى مكان الإقامة رغم هطول الأمطار التي كانت تشتد أحياناً فاستغرق وصولي إلى منطقة هيا هوليت أكثر من ساعة سيراً على الأقدام، لكنني صراحة لم أشعر بمرور الوقت لأجواء الفرح التي كانت طاغية على الكل، ولأن مجموعات من الشباب كانت تتجول في الطرقات تتغنى بالأناشيد الإسلامية والأهازيج وهذه واحدة من مميزات الأعياد في أديس أبابا.

عند وصولي إلى البيت وجدتُ جارتي المسيحية في انتظاري بالقهوة التي أعدتها كي تشاركني فرحة العيد، لم أستغرب على الإطلاق فأهل الحبشة لا يفرقون بين ضيوفهم مسلمين أو مسيحيين، تناولت قهوتي وأجريت عدة اتصالات تبادلت خلالها تهاني العيد مع الأهل وعدد من الأصدقاء ثم أخذت قسطاً من الراحة من التعب الذي كنت أشعر به من الاستيقاظ المبكر والمشي لمسافة طويلة قبل الصلاة وبعدها.

بعد أداء الصلاة تشرع العديد من الأسر الإثيوبية في ذبح الأضاحي ثم تقوم مجموعات من الشباب بتوزيع اللحوم والمواد الغذائية للأسر المتعففة، عبر الجمعيات الخيرية والتنظيمات الشبابية وكذلك بعض المبادرات الفردية لرجال الأعمال والخيرين حتى تعم الفرحة الكل في يوم العيد.

برامج متعددة لتمضية العيد في أديس أبابا

إذا أردنا التحدث عن أهم البرامج الترفيهية والوجهات التي يفضلها مسلمو إثيوبيا وتحديداً سكان العاصمة وما حولها في عطلة عيدي الفطر والأضحى، تأتي في صدارتها مدينة بيشوفتو التي تقع على بعد 45 كلم من أديس أبابا. هذه المدينة تضم نحو 9 منتجعات تطل مباشرة على عدد من البحيرات، ولهذا تجذب المدينة وبحيراتها أعداداً كبيرة من الزوار المحليين والأجانب، فمنتجعات بيشوفتو تتوفر بها إقامة فندقية لمن يريد تمضية إجازة عطلة العيد أو أي عطلة أخرى، ويمكن لمن يفضلون الزيارة السريعة الاكتفاء بتناول وجبة الغداء على الإطلالات البحرية، والقيام برحلة على متن الزوارق.

الأماكن التراثية تستحوذ على نصيبٍ مقدّر من اهتمامات الإثيوبيين في العيد، يأتي على رأسها مطعما Yod Abyssinia وHabesha 2000 اللذان يحظيان بشعبية كبيرة، حيث تقدم فيهما مساء كل يوم عروض رقص تراثي وأغنيات لمختلف القوميات الإثيوبية وبعض الأغنيات السودانية أيضاً، فالغناء السوداني رائج ومنتشر في إثيوبيا رغم حاجز اللغة.

كل هذه الأجواء الجميلة تترافق مع وجبات العشاء التقليدية التي تقدم في المطعمين وتتكون من خبز الإنجيرا بصورة أساسية مضافاً إليه أنواع من الإيدام أو اللحوم أو السَلَطات أو الأسماك.

كذلك، تُعد مراكز التسوق واحداً من أماكن الجذب التي تشهد إقبالاً من الأسر الإثيوبية في عيدي الفطر والأضحى، لأن أغلبها يتضمن سينمات ومراكز لألعاب الأطفال مثل إدنا مول الشهير في وسط العاصمة. وتعتبر ساحة إدنا مول من أجمل الأماكن التي يفضلها الإثيوبيون في المناسبات المختلفة، إذ تحتوي المنطقة على عدد كبير من المقاهي والمحال التجارية المتنوعة.

ولمن يفضل السهرات ذات الطابع العربي من الإثيوبيين وضيوفهم في العيد، هناك المطعم اللبناني الذي يعد وجهة أساسية لزوار العاصمة الإثيوبية من الجنسيات العربية، لا يقتصر برنامج المطعم اللبناني على تقديم الوجبات الشامية والتركية فحسب، بل هناك فرقة كاملة تقدم أغنيات عربية وخليجية وعروضاً للرقص الشرقي جنباً إلى جنب مع الرقص التراثي الإثيوبي والأغنيات السودانية.

المطاعم التركية.. وجهة جديدة في أديس أبابا

في السنوات الأخيرة انتشرت كذلك ثقافة المطاعم التركية في أديس أبابا، بفعل تنامي الوجود التركي في البلاد وتأثير الدراما التركية التي تحظى بمشاهدة عالية في إثيوبيا ككل، كما تعد أنقرة الشريك التجاري الأول لإثيوبيا وفق ما يذكره مسؤولون إثيوبيون رفيعو المستوى، فالوجود القوي للشركات التركية في إثيوبيا صاحبة تنامي أنشطة المطاعم التركية، وأشهرها مطعم إسطنبول الذي يقع في شارع “فريند شيب” بالقرب من مقر السفارة الأردنية، وهناك أيضاً مطعم Pamukkale الذي يقع بالقرب من المطار، ومطعمHanedan وغيرها. فالشاهد أن المطاعم التركية صارت وجهة مفضلة لتناول الطعام لدى كثير من الأسر الإثيوبية بفعل تأثير المسلسلات التركية التي يتم دبلجتها للغة الأمهرية بواسطة الفضائيات الإثيوبية.

نختم بجبل إنطوطو الذي يعتبر من أهم وأجمل الأماكن السياحية في أديس أبابا للمواطنين الإثيوبيين وللزوار الأجانب في الأعياد وغير الأعياد، حيث يصل ارتفاعه إلى 3200 متر فوق سطح البحر، وتمنح قمة الجبل الشاهقة فرصة للزوار لمشاهدة العاصمة أديس أبابا من هذا الارتفاع الشاهق، ويلاحظ الزائر وجود عدد غير قليل من السكان يعيشون في قمة الجبل الذي تصله كل الخدمات بما فيها الكهرباء والاتصالات.

كانت هذه جولة سريعة استكشفنا فيها أبرز الأماكن والبرامج الترفيهية التي يفضلها سكان العاصمة الإثيوبية من مواطنين ومقيمين وزوار خلال العيد، وعلى الرغم من تنوع البرامج والخيارات تظل أجمل معاني الأعياد هناك مترسخة في البساطة والترحاب الذي يقابلك به الجميع، المسيحيون قبل المسلمين بقولهم “عيد مبارك”، يستندون في ذلك على إرثهم التسامحي العريق، ولا عجب فقد حصلت هذه البلاد على تكريم خاص من المصطفى عليه الصلاة والسلام، عندما وصفها بأرض الصدق، حين قال لأصحابه: “لو خرجتم إلى أرض الحبشـة؛ فإنَّ بها مَلِكاً لا يُظْلَم عنده أحدٌ وهي أرض صِدْقٍ حتَّى يجعل الله لكم فرجاً ممَّا أنتم فيه”، أو كما قال صلى الله عليه وسلّم.

حتى وإن غابت الحشود المليونية التي كانت تحرص على أداء صلاة العيد في استاد أديس أبابا هذا العام بفعل جائحة كورونا، وغابت كذلك معظم الأنشطة الترفيهية من أماكن الجذب التي فصّلنا أبرزها بالأعلى، فإن جمال العيد بأديس أبابا يظل باقياً في تكافل الناس وترحيبهم وتبادلهم التهاني والتبريكات، إلى جانب الاستمتاع بالأجواء الرائعة وتناول القهوة الإثيوبية المعتقة، فضلاً عن إمكانية التجول في الأماكن المفتوحة مثل جبل إنطوطو وساحات إدنا مول وغيرها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى