
بقلم برهان تكلو-ناجا
مسؤولية الحماية: نداء عاجل للتحرك من أجل السودان
مبدأ “مسؤولية الحماية” (responsibility to protect, R2P) هو مبدأ دولي أُسس لمنع الفظائع مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. وهو يستند إلى مبدأ أن السيادة ليست امتيازًا بل مسؤولية. عندما تكون الدولة غير راغبة أو غير قادرة على حماية مواطنيها من مثل هذه الفظائع، يجب على المجتمع الدولي التدخل.
تم اعتماد هذا المبدأ بإجماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال قمة العالم لعام 2005، ليكون رمزًا للأمل في التزامنا الجماعي بمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر فظاعة.
يقوم مبدأ “مسؤولية الحماية” على ثلاثة أركان أساسية:
أولا: مسؤولية الدولة:
تقع المسؤولية الأساسية لحماية السكان من الفظائع على عاتق الدولة نفسها، بما في ذلك منع هذه الجرائم أو التحريض عليها.
ثانيا: مسؤولية المجتمع الدولي:
عندما تعجز الدولة عن حماية مواطنيها، يتحتم على المجتمع الدولي التدخل عبر وسائل دبلوماسية أو مساعدة إنسانية أو عقوبات أو حتى تدخل عسكري بموافقة مجلس الأمن.
ثالثا :مسؤولية إعادة البناء:
بعد التدخل، يجب على المجتمع الدولي دعم التعافي وإعادة الإعمار والمصالحة لضمان سلام دائم.
يمثل هذا المبدأ تحولًا من ثقافة الإفلات من العقاب إلى ثقافة المساءلة، لكن تطبيقه لا يزال يواجه تحديات، خاصة في ظل الأزمة الحالية في السودان.
—
الوضع في السودان
ارتكبت قوات الدعم السريع (RSF) في السودان فظائع واسعة النطاق ضد المدنيين، بما في ذلك القتل الجماعي والعنف الجنسي والنزوح القسري. ومع ذلك، تباطأ المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن، في تفعيل مبدأ “مسؤولية الحماية”، مما يطرح تساؤلات حول الانتقائية في التدخلات الإنسانية والدوافع الخفية للدول الفاعلة.
—
مقارنة مع ليبيا
في ليبيا عام 2011، تم استخدام مبدأ R2P لتبرير التدخل العسكري ضد نظام القذافي. لكن النقاد يشيرون إلى أن الدوافع الجيوسياسية (مثل النفط والموقع الاستراتيجي) طغت على الأهداف الإنسانية، مما أدى إلى فوضى مستمرة. هذا التناقض يظهر ازدواجية المعايير في تطبيق المبدأ.
—
حالة السودان:
لماذا يجب التحرك الآن؟
الأزمة الإنسانية:
يعاني الشعب السوداني من انتهاكات مروعة تستدعي التحرك الأخلاقي العاجل.
تجنب تكرار رواندا:
تُذكر الأزمة بالفشل الدولي في منع إبادة رواندا عام 1994، حيث قُتل 800 ألف شخص. التاريخ لا يجب أن يعيد نفسه.
مبدأ R2P يجب أن يكون عالميًا:
يتطلب المبدأ تطبيقًا عادلًا دون انتقائية ، فالتدخل في ليبيا مقابل الصمت تجاه السودان أو سوريا يضعف مصداقية المجتمع الدولي.
—
انتقاد المجتمع الدولي
المصالح الجيوسياسية:
يفتقر السودان لموارد استراتيجية (مثل النفط) تجذب الاهتمام الدولي، مما يكشف عن أولوية المصالح على الإنسانية.
اللامبالاة تجاه الأزمات الأفريقية:
تتكرر ظاهرة إهمال الأزمات في أفريقيا، حتى من قبل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية بسبب انقساماتهم الداخلية.
فشل مؤسسي:
حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن يعيق اتخاذ قرارات حاسمة، كما حدث في سوريا والسودان.
—
دور الإمارات العربية المتحدة
الدعم الخارجي:
تُتهم الإمارات بتقديم دعم عسكري ومالي لقوات الدعم السريع، مما يزيد العنف.
الصمت الدولي:
تجاهل دول مثل الولايات المتحدة لدور الإمارات يُظهر ازدواجية في التعامل مع الأزمات، حيث تطغى المصالح الاقتصادية على المبادئ.
—
نداء للعمل
يجب على المجتمع الدولي:
1. تفعيل R2P:
فرض عقوبات مستهدفة وحظر أسلحة، والتدخل العسكري كملاذ أخير.
2. ضغط دولي:
إجبار قوات الدعم السريع وحلفائها على وقف العنف والدخول في مفاوضات.
3. دعم الإغاثة الإنسانية:
زيادة المساعدات للنازحين واللاجئين، ومحاسبة الدول المضيفة التي تنتهك حقوقهم.
4.المساءلة:
محاكمة المسؤولين عن الفظائع، بما في ذلك الجهات الداعمة مثل الإمارات، عبر المحكمة الجنائية الدولية.
—
الخاتمة
الفشل في التحرك لحماية السودان ليس خيانة لشعبه فحسب، بل تقويض لمبادئ العدالة الدولية.
على مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية الاضطلاع بدورهم قبل فوات الأوان. بتطبيق R2P بشكل عادل، يمكن تجنب مأساة جديدة وإثبات أن دروس رواندا لم تُنسى.
—
برهان تكلو-ناجا
كلية الحقوق بجامعة هارفارد، جامعة بوسطن، وجامعة تافتس/كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية.