..
بلا أدنى شك الخرطوم ضربتها حربا ضروسا ، وهول المصيبة غير متوقعة التي فاق حجمها تصور الكثيرين، فاتجهت ردة فعل البعض إلى لعن كل شيء حوله. سيما القوى السياسية كل بات ( يفج ) له مكان آمن سيما ان الحرب سبقتها حالة شيطنة واسعة أيام الثورة الملونة ، فلا العدة المعرفية للباحثين السودانيين هيأت أصاحبها حتى يتنبئوا لهذا الحدث الخطير ( حرب 15 ابريل ) وبالتالي يهيئون الشعب له، ولا العدة الشعورية للمواطن العادي ساعدته على استيعاب الكارثة التي ما تزال صدمتها قوية عليه . هكذا نري القوى السياسية والمواطنين استسلموا لهذا الحال إلى وعي رغائبي يضج بقصص البدايات والنهايات للحرب ، وبالطبع إذا انتهت الحرب أم لم تنته نحن أمام فجر جديد تبدأ معه معطيات وطنية غير مسبوقة ولا مفكر بها، أو بالأحري أننا أمام نهاية حاجاتنا الخاصة كلها ونهاية وطن بغضه وقضيضه وبلا شك نحن أمام نشوء وطن جديد بمشروع تراض وطني منصف ، طال التغاضي عن جرائم كثيرة في مسيرتنا السياسية خلال عهود وطنية مختلفة ولكن لا أعتقد أن جريمة مثل حرب 15 أبريل 2023م التي تسببت في تشريد ملايين السودانيين وإعادة توطين آخرين في ظروف اجتماعية واقتصادية معقدة لا يمكن جريمة كهذه أن يغض الطرف عنها علي طريقة : (عفا الله عما سلف).
إن الحرب الحالية ومستقبل السودان بعدها دفعت كثيرا من المنابر والشخصيات السودانية هذه الايام إلى التباحث والتفاكر حولها بعد ان فاقوا من الصدمة الاولي ، يتفاكرون بهدف الوصول إلى خلاصات عسى ولعل تفيد الوطن، النائب البرلماني المستقل السابق أبو القاسم برطم وإشراقة سيد محمود رئيسة الحزب الاتحادي قدما دعوتي كل علي حدا للصحفيين وصناع الرأي العام للتباحث حول هذه العناوين والتنظير المبكر بدلا من الوقوف أمام هول المصيبة حتى لا تقع مصيبة أخرى والجميع ما زالوا ساقطين علي الارض، فالسودانيون وكثير من أهل الإقليم والعالم ينتظرون ما تسفر عنه عقول السودانيين من مشروع وطني مستفيدين مما بدا لهم بعد «طوفان حرب عرب الشتات» ،واضح ان ما بدا للسودانيين عموما بعد الحرب : الأخلاق انتهت والقيم السودانية تلاشت والقوانين والمؤسسات الدستورية شاركتها نهايتها، وما ينشأ هو سودان جديد يقطع كليا مع السودان القديم الذي نعرف، إما بشيرا بوطن ناهض متقدم متحضر أو نذير بنهاية وطن اسمه السودان وتقسيمه إلى دويلات كما يخطط له خصومه بمعاونة الأشرار من أبنائه. قبلت دعوات (برطم وإشراقة) لأن الأول يختلف الناس أو يتفقون معه إلا أنه شخصية مستقلة ويمثل رؤية إصلاحيه نظرا لما كانت عليه الحركة السياسية الوطنية أما إشراقة سيد محمود فهذه امرأة مكنة كبيرة بلغة الشباب، إذ إنها نالت شرف توصية خاصة من الراحل الشريف زين العابدين الهندي الذي كان يتوقع لها مستقبل سياسي باهر وقد كان إذ إنها عينت وزيرة اتحادية وهي لم تبلغ الثلاثين من عمرها وحاليا رئيس حزب كسرت القاعدة التقليدية داخل هذا الكيان الختمي الصوفي، ومن الذي كان يتوقع أن يمضي هدم القاعدة داخل هذه الأحزاب الأخطبوطية الأبوية وتخرج من رحمها مدارس على النحو الذي حصل مع إشراقة، هكذا يبدو الإصلاح السياسي داخل الأحزاب والتيارات السياسية وهو الذي يمثل رأس الرمح في حالة الضعف والعجز اللذين يبدو عليهما حال وضعف القوى السياسية أمام انتهاكات مليشيا الدعم السريع…
قوى سياسية غير قادرة على إدانة التمرد بل بعضهم يقولها صراحة بدعم التمرد وبعضهم تعرفه بلحن القول، لكن تجربة إشراقة وابوالقاسم برطم تعلم أن تجربة الأحزاب قابلة للحساب..
خلاصة حوارات الجلستين المنفصلتين كل علي حدا بمنزل برطم وإشراقة سيد محمود إلى جانب تحمسهما لدعم القضية الوطنية وإسناد القوات المسلحة في معركة الكرامة الحالية، الاتفاق على أن الخرطوم الحزينة اليوم لا بد أن تكون سعيدة في المستقبل القريب، وإن يسهم الجميع في صناعة سعادتها بلا استثناء، ولا بد من إنتاج مشروع دولة سودانية تتجاوز كل معضلات الماضي ورسم خريطة جديدة لبلادنا، خريطة وطنية لا تجامل في تحريك الدعاوي والتحقيقات في كل الجرائم التي ارتكبت في حق المواطن السوداني باسم الديمقراطية والحكم المدني، ولابد من حوار وطني جاد وحر يسهم فيه كل أبناء الوطن من دون إسثناء ولا إقصاء لوضع حد للانتهاكات وأن تعود الدولة لضبط إيقاع الحياة وحماية الأخلاق والقيم الوطنية وإنهاء حالة التدني الحالية .. ومن ضمن الخلاصات لابد من إنهاء إرث السياسة السودانية وحالة اللاثقة بين أطرافها وتشجيع خطوط تنمية تراث سياسي جديد يشجع فن الاختلاف ويوطن لغة الحوار بين السودانيين…