حين توثق الوحشية نفسها: سؤال لماذا يصور الجلاد جريمته؟

بقلم :  ندي عثمان عمر الشريف

في الحروب، كثيراً ما يُرتكب العنف في الظل… لكن في السودان، تفعل المليشيا ما هو أبشع: توثق جريمتها، وتنشرها بفخر. مشاهد الترويع، والقتل، والاغتصاب، وتحقير الكرامة البشرية، باتت تُصور وتُبث، لا خفيةً، بل جهاراً… فماذا يعني أن يوثق الجلاد جريمته بيده؟
الدافع ليس التوثيق، بل الاستمتاع
التحليل النفسي لسلوك عناصر المليشيا يكشف أن تصوير الجرائم ليس فقط لإثبات الفعل أو أرشفة الانتهاك، بل هو ذروة في الانحدار الإنساني. إنه تعبير عن لذة السيطرة، والاستمتاع بـ”الهيمنة المطلقة” على الضحية. إنه مرض جماعي مدفوع بالإفلات من العقاب.
الدافع الثاني هو رسالة رعب للمجتمع
التصوير ونشر المقاطع هو سلاح يستخدم لبث الرعب في المجتمع. إنها ليست جريمة فردية، بل استراتيجية ترهيب تُمارس عن قصد، لتدمير ما تبقى من إرادة الناس، وكي يُفهم أن لا مكان آمناً في البلاد، وأن القانون قد دُفن تحت أقدام الوحشية.
الدافع الثالث تطبيع الجريمة في وجدان العنصر
بمرور الوقت، يصبح العنف عادة. تصوير الجريمة يساعد عناصر المليشيا على تطبيع الوحشية في وعيهم وتوثيق لحظاتهم “البطولية” الزائفة. وهكذا، يُعاد تشكيل مفهوم الشرف عند الجلاد: من حماية الضعفاء إلى قتلهم والافتخار بذلك.
أداة دعاية لأجندات خارجية
فا وراء الكاميرا، يقف من يغذي هذه الآلة. الدعم الإماراتي للمليشيا م يكن فقط عسكرياً، بل معنوياً وإعلامياً. فكل مشهد جريمة مصور هو بروباغندا ممنهجة، لإعادة صياغة واقع قبيح وتقديمه كـ”تحرير” أو “انتصار”.
لكن العدسة لا تحمي من المحاسبة
ما لا يدركه هؤلاء هو أن الكاميرا توثق أيضاً الدليل ضدهم. هذه المقاطع ستكون يوماً ما قرائن إدانة في محاكم دولية. العدالة لا تموت، حتى وإن صمت العالم اليوم.
بالاضافه الي هذا الدوافع هنالك سبب رئيسي
وهي التشوهات النفسية والخلل بنيوي في التكوين العقلي
فمن المهم ألا نغفل أن ما نراه من تصوير ممنهج للجرائم ليس مجرد تكتيك دعائي أو أداة رعب فحسب، بل يعكس خللاً بنيويًا عميقًا في التكوين النفسي لأفراد هذه المليشيا. فمعظم عناصرها جُندوا بلا تأهيل، تربوا في بيئة مشوهة بالحرمان، والإهمال، والثأر، وسط غياب التعليم والتربية المجتمعية، ما أنتج جيلاً يحمل السلاح لا ليدافع، بل لينتقم.
هؤلاء ليسوا ضحايا فقر ، بل ضحايا تشوهات نفسيةتراكمت عبر العنف، والإقصاء، وبيئة خطاب الكراهية التي غذّتهم بها بعض القوى. فالعنصر الذي يصور نفسه وهو يعذب أو يغتصب، لا يُظهر فقط استهتارًا بالقيم، بل يُظهر فقدانًا تامًا للإحساس الإنساني، وتبلدًا وجدانياً لا يُنتج إلا عبر عملية تدمير متعمدة للضمير.
هذا الخلل البنيوي يجعل من إدماج هذه العناصر في أي تسوية سياسية قادمة كارثة مكررة لأن من فقد إنسانيته لا يمكن أن يكون مواطنًا صالحًا أو شريك سلام.
فعلينا أن لا نصمت
فكل من يرى هذه المشاهد: لا تمررها بصمت. تحدث. اكتب. قاوم. فالسكوت هو الجريمة التي تُكمل جريمتهم.

Exit mobile version