خبر وتحليل: عمار العركي – كينيا بين ضغوط الإمارات والرفض السوداني: هل تكرر نيروبي خطأ جوبا ؟

▪️يبدو أن الإمارات مقبلة على تلقي هزيمة سياسية ودبلوماسية جديدة من السودان، ضمن سلسلة من الإحباطات التي منيت بها محاولاتها للتأثير في المشهد السوداني. فاليوم، الجمعة 21 فبراير 2025، هو الموعد الثاني المؤجل للتوقيع على الميثاق السياسي لحكومة مليشيا الدعم السريع الإرهابية. وحتى لحظة كتابة هذا المقال، لا توجد مؤشرات واضحة على انعقاد الفعالية ، اللهم الا خبر عن تأجيل لأجل غير مسمى علي ذمة “الواشنطن بوست ” ، التأجيل الاول والثاني بسبب تطورات وانقسامات داخل الكيانات السياسية والعسكرية المكونة للتحالف. كما أن هناك خلافات متزايدة داخل كينيا، التي ترعى المشروع الإماراتي بالوكالة، مما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها نيروبي. وبينما حاول السودان تحييد كينيا عن الأجندة الإماراتية، بدا أن الحكومة الكينية وقعت تحت تأثير الضغوط الإماراتية، مما استدعى ردًّا دبلوماسيًا سريعًا من الخرطوم، أوقف المشروع الإماراتي أو على الأقل أعاقه.

*_ضغوط إماراتية لإعلان حكومة المليشيا: تكرار تجربة جوبا؟_*

▪️في ظل فقدانها التدريجي للسيطرة على الملف السوداني، لم تتوقف الإمارات عن ممارسة الضغوط على كينيا لدفعها نحو تبني مشروع إعلان حكومة موازية، مستغلة وسائل متعددة، تشمل الابتزاز الاقتصادي، والوعود الاستثمارية، إضافة إلى استغلال نفوذها داخل بعض الدوائر السياسية في نيروبي.
▪️إلا أن هذه التحركات تثير تساؤلات حول مدى استعداد كينيا للمغامرة بعلاقاتها مع السودان في سبيل إرضاء أبوظبي. فالتجربة السابقة لدولة جنوب السودان قدّمت درسًا واضحًا حول المخاطر التي تواجه أي دولة تتورط في دعم مشروع مماثل. فعندما انحازت جوبا إلى صف المليشيا في مراحل سابقة، وجدت نفسها في مواجهة رد فعل سوداني قوي، انعكس سلبًا على علاقاتها الاقتصادية والسياسية. واليوم، يواجه الرئيس الكيني وليام روتو خطر تكرار هذا السيناريو إذا لم يحسم موقفه سريعًا.

*_التحديات السياسية والمعارضة الداخلية: روتو في مواجهة الانقسامات_*

▪️يواجه الرئيس الكيني وليام روتو ضغوطًا متزايدة بسبب تبنّيه مشروع إعلان حكومة موازية في السودان. فعلى الصعيد الداخلي، تسود حالة من الانقسام داخل الحكومة الكينية بشأن هذه الخطوة، إذ بدأ رئيس الوزراء موساليا مودافادي، الذي كان من المؤيدين لها، يعبر عن تحفظاته، متخوفًا من تداعياتها على استقرار العلاقات الإقليمية والدولية.
▪️أما البرلمان الكيني، فقد شهد اعتراضات من عدد من النواب الذين أبدوا قلقهم من أن يؤدي هذا التوجه إلى توتر العلاقات مع السودان، وربما إلى عزلة كينيا عن محيطها الإقليمي والدولي.
▪️إعلاميًا، تواصل الصحف والقنوات الكينية انتقاد سياسة روتو، محذرة من أن دعم حكومة موازية في السودان قد يؤدي إلى تعميق الأزمة هناك ويضع كينيا في موقف دبلوماسي حرج. المعارضة السياسية المحلية، بقيادة شخصيات بارزة مثل كالونزو موسيوكا، انضمت إلى هذا الاتجاه، داعية الحكومة إلى الابتعاد عن التدخل في النزاعات الخارجية، التي لا تخدم مصالح كينيا الوطنية.
▪️كل هذه المعطيات تجعل موقف روتو أكثر تعقيدًا، حيث يجد نفسه أمام خيارين: إما الاستمرار في مجاراة الأجندة الإماراتية، بما يحمله ذلك من مخاطر سياسية، أو إعادة تقييم سياساته لتفادي مزيد من العزلة والضغوط الداخلية والخارجية.

*_السودان يتحرك دبلوماسيًا وأمنيًا: كسر الحلقة المفرغة_*

▪️لم يكتف السودان بمراقبة التحركات الإماراتية في كينيا، بل تحرك على أكثر من مستوى لإفشال المخطط. فعلى الصعيد الدبلوماسي، وجّه رسائل واضحة للحكومة الكينية، محذرًا من أن دعم حكومة موازية يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الخرطوم. أما على الصعيد الأمني، فقد كثفت الأجهزة السودانية المعنية جهودها لرصد النشاط الإماراتي في نيروبي، مما أدى إلى إبطاء خطوات تنفيذ المشروع بشكل ملحوظ.
▪️إلى جانب ذلك، كان للموقف الأمريكي دور في التأثير على كينيا، حيث سبق أن أعلنت واشنطن رفضها الاعتراف بأي حكومة غير شرعية في السودان، وهو ما زاد من الضغوط على نيروبي، التي بدأت تدرك أن السير في هذا الاتجاه قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أيضًا.

*_إعلان حكومة المليشيا: فشل يلوح في الأفق_*

▪️وسط هذه التعقيدات، بات واضحًا أن الإمارات تواجه تحديات كبرى في تنفيذ مشروعها لإعلان حكومة موازية في السودان. فبعد أن كان من المقرر الإعلان عنها سابقًا، تم تأجيلها للمرة الثانية، في مؤشر على التخبط داخل معسكر المليشيا والداعمين لها.
▪️لكن الأهم من ذلك، أن السودان نجح حتى الآن في تعطيل وإضعاف هذا المشروع سياسيًا ودبلوماسيًا، ما جعله في موقع أقوى لإجهاضه بالكامل. داخليًا، تزداد تماسك القوى السياسية والعسكرية في السودان ضد أي ترتيبات خارج الأطر الشرعية، كما أن التحولات الإقليمية والدولية لم تعد تسمح بتمرير مثل هذه المشاريع بسهولة، خاصة مع تراجع النفوذ الإماراتي على الساحة السودانية.

*خلاصة القول ومنتهاه*

▪️تجد كينيا نفسها اليوم في موقف حرج، بين إرضاء الإمارات، والضغوط السودانية والإقليمية والدولية، والانقسامات الداخلية بشأن مدى المضي في المشروع الإماراتي. أما الإمارات، فبدأت تفقد تدريجيًا قدرتها على فرض أجندتها في السودان، خاصة مع بوادر فشل مشروع إعلان الحكومة الموازية، الذي يواجه عقبات وانتكاسات متتالية.
▪️أما السودان، فيتحرك بثقة وحزم، مستخدمًا أدواته الدبلوماسية والأمنية لإجهاض التحركات الإماراتية والمناورات الكينية. الأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت نيروبي ستتعلم من أخطاء جوبا، أم أنها ستكرر التجربة، لتجد نفسها في مواجهة عواقب وخيمة أمام المجتمع الإقليمي والدولي، بقيادة السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى