تلقيت رسالة مؤثرة من د. ثامر نعيم – اختصاصي الطب النفسي بعطبرة يودع فيها السودان عموما والمجنمع العطبراوي الذي انصهر فيه منذ قدومه منقولا من الخرطوم.
لقد أحب د. ثامر نعيم عطبرة واهلها واحبوه لأنه كان التفاني يمشي على رجلين باذلا كل جهده في التطبيب والتدريس والمتابعة والتوعيه ناهيك عن علاقاته الاجتماعية الحميمة مع كافة اطياف المجتمع العطبراوي.
الهجرة القسرية – كما أسميها – هي التي جعلت د. ثامر يغادر السودان في وقت أشد ما يحتاج فيه الوطن لامثاله، لكنه السودان الذي يجبر الخلصاء من ابنائه الى الهروب منه قسرا وهو أمر حذرت منه المنظمات الدولية من ان هجرة العقول من السودان ستورد البلاد موارد التهلكة،
ليس لدينا الا ان نتمنى لدكتور ثامر كل التوفيق في موقعه الجديد خارج حدود الوطن، ونامل ان ينصلح حال بلادي فتبدأ العقول المهاجرة في الهجرة العكسية الى أرض الوطن.
فيما يلي نص الرسالة المؤثرة لدكتور ثامر:
استئذان بالارتحال ..
د.ثامر نعيم
اختصاصي الطب النفسي – عطبرة
لم يكن في مبتغاي هذا الوداع العاجل المبكر .. لقد جئت إلى عطبرة مهاجرا داخل هذا الوطن الفسيح ، الوطن الذي ما ضاق بنا وضقنا به ، جئت طالبا الاستقرار والسكنى في عطبرة ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، لطالما جذبني تاريخ عطبرة ومكانتها وحراكها النقابي و الثقافي ونشاطها الاجتماعي ، هذا التاريخ الذي يشكل لوحة فنية ملونة ومشرقة ومشبعة بالجمال فعطبرة نموذج للسودان بكل عرقياته وإثنياته واختلافاته الثقافية وعاداته وتقاليده ، هذا الجمال الذي لايراه الا محب صادق لهذه الأرض وأهلها ..
لا شك أن منطقة نهر عطبرة تمتاز بعلاقات اجتماعية متطوره وقديمة ، تعتبر مثالا حيا في التكافل الاجتماعي والايثار في الأفراح والاتراح واعانة المرضي والضعفاء ، تولد ونما هذا من القديم خلال التنشئة البسيطة التي تربي عليها سكان المنطقة ، العادات تعتبر إرثا تاريخيا وحضاريا تتوارثة الأجيال جيل بعد جيل ..
لكن ها أنا ذا أستأذن أهلها بالرحيل قبل أن أشبع نفسي منها وقبل أن يمتلئ وعائي من معينها النابض والزاخر بالمعرفة ، لا مستغنيا ولا متعالٍ ، لم يكن بالود المغادرة لولا مقادير السماء ..
“نزلنا ها هنا ثم ارتحلنا .. كذا الدنيا نزول وارتحال
يظن المرء في الدنيا خلود .. خلود المرء في الدنيا محال
فتلك طبيعة الأيام فينا .. فراق بعد جمع واكتحال وهذه سنة الدنيا دواما .. يبدد نورها بعد الكمال”
بدأت رحلتي إلى عطبرة في يونيو من العام الماضي 2022م ، حيث رشحت من أحد اساتذتي الأجلاء د.محمد أحمد عبدالرحيم إلى وزارة الصحة نهر النيل مع أخرين وجزاه الله خيرا أن كان سببا في هذا الانتقال الذي أفادني كثيرا ، تواصلت مع الوزارة وأتيت في شهر يونيو 2022 م لمدة يوم واحد والتقيت وزير الصحة المكلف ومديرها العام حينها د.عبدالمنعم بلة حفظه الله ، لم يكن في عطبرة وقتها أي طبيب إختصاصي في الطب النفسي فآخر عهدها هو د.أحمد الأبوابي الذي غادرها قبل بضع أعوام ، لقد إهتمت الوزارة بأن يوجد في الولاية واحد على الأقل كبداية وتم اقتراح مستشفى عطبرة كأكبر مستشفيات الولاية وقد كان ، إنتقلت رسميا إلى عطبرة في بداية سبتمبر بعد أن رتبت الوزارة ما استطاعت إليه سبيلا ، لا أقول أن كل شئ كان كاملا فالكمال لله وحده ، لكنه كان كافيا لي للبداية ..
أشكر د.عبدالمنعم بلة وزير الصحة الأسبق الذي أتاح لي هذه الفرصة للقدوم و الاستقرار في عطبرة ، لقد كان إنسانا كريما فاضلا ، اجتهد في تهيأة المقام وأكرمني بحسن تعامله وقدمني إلى أهل عطبرة أفضل تقديم ، لم يتوانى في جهد لكي أستقر ، واهتم بالصحة النفسية وجعلها من أولوياته ، هذا فضلا عن أخلاقه الكريمة الفاضلة ، لا يلتقيك الا بوجه حسن وكلمة طيبة وإن لم يحقق لك غرضك ، أجدني اليوم في شكره دون قيود أو حرج فقد ترجل عن صهوة جواده بعد أن أبلى بلاءا حسنا واجتهد بما يستطيع ، أحسب أنه أعطى عمره في خدمة مجتمعه وأهله ، لم يعد هناك أي مصلحة تشوب حديثي عنه ، لاهو يحتاج الى إطرائي ولا أنا مضطر لذلك ، وهو حقا يستحق ، لقد كان نعم الإنسان أتمنى له دوام الصحة والعافية من كل قلبي ..
الشكر لمديره الإداري والمالي الأسبق أيضا محمد حسن ، لقد كان رجلا بشوشا وصاحب أخلاق كريمة وفاضلة ومجتهد بقدر ما يستطيع لم أجد منه إلا حسن الحديث وطيب الأخلاق والتقدير والاحترام ، ولم يدخر جهدا رغم صعوبات الموارد ورهق الدولة ..
و د.أمل شعلة النشاط التي كان لها تواصل دائم معي عن كل مايخصني في بداية مشواري في عطبرة ، لقد كانت نعم الانسان الخلوق شكرا لها من القلب .
شكرا عم خضر رئيس السائقين ذي الكلمة الطيبة السهلة الذي لا تسمع منه إلا دعوات الخير والحمد لا يفارق لسانه رغم ضيق المعيشة وجبروت الحياة ..
شكرا د.إيناس نائب طب الأسرة التي كانت على تواصل معي حتى جئت الى عطبرة واستقبلتني بكرم فياض وعرفتني على كل اصطاف مستشفى عطبرة ..
التحية لكل الأخوة الإختصاصيين والاستشاريين بمستشفى عطبرة الذين يعملون في تحديات بالغة ويحتسبون الأجر على الله ، شكرا الأخ والصديق العزيز مستر عوض الكريم أخصائي المسالك على حسن المعشر والكرم الفياض ، لقد كنت من المبادرين الى التعرف إلي عن قرب ، لم تكن إلا مبادرا كريما وشهما ، “أخ أخوان” وصديقا صادقا وفيا ، لقد كنت وستظل نعم الرفقة والصحبة وأسأل الله لك التوفيق والسداد ..
شكرا د. معاوية سيداحمد الرجل طيب المعشر المتواضع الذي لايقابلك الا بالكلمة الطيبة والذي يحاول أن يوفق بين الناس دوما في ادارته ، شكرا مستر أحمد علي وهب على حسن الاستقبال واهتمامك بأخذي إلى كدباس في زيارة عمل هيأت لها المعينات من الوزارة قبل أن يكون لك منصب فيها وقبل أن تعرفني جيدا ، لقد كنت كريما معطائا تحملت معي رهق الرحلة وأنت القديم القدير فلا حاجة لك بها بقدر ماهي حاجتي ، فقضى الله لك حوائجك كما أعنت في حوائج غيرك ، وهنا لا يفوتني أن أشكر الشيخ محمد حاج حمد الجعلي على حسن استقباله لنا هو ومريديه من حوله وعلى فهمه الكبير في إنشاء مستشفى يحول إليها المرضى وخاصة من إعتلالات النفس ، وهو سعي متقدم في التوجيه الى الطريق المناسب للعلاج ، حتى أنه يحول إلينا في المستشفى والعيادات العديد من الحالات ، وهي شراكة بناءة في تقديري كانت من ضمن رؤيتي في العمل بنهر النيل أرجو أن أكون قد وفقت فيها ، أتمنى أن تتطور مثل هذه الشراكات ويمتد هذا التعاون بين الأطباء ومؤسسات ورموز المجتمع المحلي ، وشكرا مستر أحمد وهب أيضا على إتاحة الفرصة لي مع طلبتكم في الشيخ البدري لبدء كورس الطب النفسي وتقديمك لي لهم في أول يوم بأفضل مايكون ، إنه لكرم منك وفضل ولا يجحد الفضل الا ناكر ، أتمنى لطلبتكم في جامعة الشيخ البدري كل التوفيق ، لقد لمست فيهم رغبةً وشغفا في الطب النفسي وأرجو أن يتواصل الاهتمام بتدريسه بأفضل مايكون ..
شكرا بروف سفيان على كل هذا التواضع الجم وابتسامتك الدائمة وحديثك معنا بكل أخوة وحب وشفافية ، أشعلت فينا حب البحوث واستوعبتنا معك بكل ترحاب وقدمتنا في برامجك وادخلتنا الاذاعة وقدمتني الى ولاية نهر النيل أحسن تقديم ، لقد أكرمتني بخلقك الطيب وتواضعك الجميل ..
الشكر لكل أفراد قسم الطب النفسي لقد كنتم فريقا رائعا وكان لي شرف العمل معكم ، احتوانا هذا الصرح الشامخ في جو مفعم بالعطاء والرغبة الأكيدة في الوصول للهدف والحصول على التميز ، وبكم تقدمنا بالقسم الى الأمام ولو قليلا ، نجحنا معا في أشياء ويقدر الله لأخرى مايشاء من مواقيت في علم الغيب عنده ، إلّا أن العطاء الإنساني والمحبّة الصادقة والتعاون الفعال لن تنسى بيننا ، ارجو لكم دوام التقدم والازدهار وأن يكمل المسيرة من هو خير مني ..
لقد كان لي السرور أن انضم إلينا في القسم مجموعة من طلاب الطب للتدريب و الاستفادة وكذلك من المتدربين في تخصص الطب النفسي وتخصص طب الأسرة من المجلس العربي للتخصصات ومجلس التخصصات الطبية السوداني تباعا ، أرجو أن نكون قد وفقنا في إثراء المعرفة عندكم واستفدتم من قليل ماعندنا ..
شكرا لهيئة الإذاعة ، وتلفزيون نهر النيل وكل العاملين على مجهوداتهم الدؤوبة في إيصال الكلمة وإثراء المحتوى ، وهذا الإهتمام المقدر بالصحة النفسية وجعلها من ضمن الفقرات المهمة في برامجكم ، شكرا أ.حسن عبدالله المذيع اللامع والشخصية اللبقة المحترمة والكريمة لقد كان لي شرف التعرف عليك ، وكنت إنسانا متواضعا بشوشا اسأل الله أن يديم نعمته عليك ، وشكرا أ.محمد طاهر عباس على حسن خلقك وتعاملك الراقي وأدبك الجم ، وأخيرا وليس آخرا لا يفوتني أن أشكر الاستاذة القديرة وصال من إذاعة أمدرمان على حسن تعاملها واستضافتها رغم قصر المشوار ، واسلوبها الراقي والمحترم في التعامل ..
الشكر لأسرة مستوصف الأحمد الطبي الذي شهدت معهم العمل منذ الإفتتاح الأول وامتد للثاني ، وأخص بالشكر الانسانة الطيبة هناء الزين ، الشخصية البشوشة الهينة والسهلة ، وأسأل الله لكي ولأسرتك التوفيق والسداد ..
كما أشكر الحاجة ثريا قنديل وأسرتها الكريمة من آل قنديل جميعا على حسن المعشر والجيرة الطيبة والمعاملة الكريمة ، أمضينا معكم عاما نرجو أن كنا فيه خفيفي الظل عليكم ، وأرجو لكم كل الخير ..
أتمنى الصحة والعافية لكل من زارني في عيادة المستشفى المحولة أو عيادتي الخاصة مراجعا لصحته وطالبا للشفاء او مرافقا او مستفسرا والمعذرة على عدم القدرة على الرد على مكالماتكم الضرورية ورسائلكم المهمة التي لم أجد الوقت الكافي لها جميعا ، أرجو أن كنت عند حسن الظن وقدر المسؤولية ، والمعذرة إن قصرت في حق أحد منكم والعفو والعافية ..
ثامر نعيم
11 أكتوبر 2023م
