عمار العركي يكتب : تركيا ، ذكاء توظيف الاتصالات ، فى كشف وهزيمة المؤامرات

اثبتت دولة جمهورية تركيا ،عمليا وبما لا يدع مجالا للشك، أنها فى مقدمة الدول التى حاربت الارهاب والإنقلاب والمؤامرات المعادية وكشفها والسيطرة عليها ، بدون طلقة واحدة مستفيدة من (تقنيات وثغرات) الإتصالات ، وغالبا ما تستخدم نتائجها، ككروت وأدوات ضغط لحماية مصالحها ومواقفها الدولية والإقليمية كدولة محورية ونافذة فى المنطقة ،
مؤخرا ، كشفت السلطات التركية عن هوية المتهمة بعد توقيفها واعتقالها وآخرين بتهمة المسئولية عن انفجار شارع الإستقلال بإستانبول والذى أودى بحياة 6 وجرح 81، وقالت السلطات ان المتهمة سورية تدعى أحلام البشير ، وتم تدريبها من حزب العمال الكردستاني الإرهابى، و إن المشتبه بهم كانوا يستعدون لتنفيذ هجمات أخرى في مناطق تركية مختلفة، حسب اعترافاتهم.
وذكرت مديرية الأمن التركية، أن القبض على المتهمين في العملية جاء بعد فحص تسجيلات (1200 كاميرا)، مشيرة إلى أنه تم إيقاف 46 مشتبها في مداهمات استهدفت 21 عنوانا.
وبعد 12 ساعة فقط من الحادث كشفت تركيا عن تفاصيل الانفجار، وقال وزير الداخلية التركى سليمان صويلو : إن سناريو الهجوم الإرهابي تضمن قتل منفذة الهجوم ، وأضاف صويلو (رصدنا مكالمة) يوجه فيها (المتكلم) عناصر الخلية بقتل منفذة الهجوم، لمنع معرفة ملابسات الهجوم، واعتقلنا شخصا في هذه الخلية تم تكليفه بقتل المهاجمة.
الملفت فى الامر، ردة فعل الحكومة التركية السريع والرافض لتعزية السفارة الأمريكية،والتى جاءت بعد ساعات قليلة من الحادث على لسان وزير داخليتها سليمان صويلو ،الذى قال (أن بلاده لا تقبل التعزية التي وجهتها السفارة الأمريكية، ولا تقبل التعزية ونرفضها ، ونحن (نعرف) من يدعم الإرهاب في شمال سوريا، و(نعرف) الرسالة التي أرادوا إيصالها لتركيا من خلال هذا الهجوم” ، نعتقد بأن ردة الفعل التركية هذه ، تنُم على أن تركيا لديها الكثير والمثير من (الأدلة والشواهد،) لما تفصح عنها بعد ، تدين الولايات الأمريكية.
حيثيات ووقائع إستخدام الإتصالات والمكالمات فى التصدى لهذا الحدث الإرهابى ، وسرعة الكشف ومحاصرته ، أعاد للأذهان حادثة اغتيال الصحفى السعودي(جمال خاشقجي) التى وقعت في 2 أكتوبر 2018، في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا.حيث ظل مقتل جمال خاشقجي غير رسمي ، وبعد ضغوط وادلة الاتصالات وكاميرات المراقبة التركية، إضطرت النيابة العامة السعودية لإصدار بيان في 20 أكتوبر 2018، أثبت الحادثة وكشف عن ظروف الوفاة، وقد نجحت تركيا بإمتياز في إدارة وإستثمار هذا الملف لصالحها وتحقيق العديد من المكاسب والمصالح .
كذلك وقائع حادث التفجير ،أعاد للأذهان الإنقلاب الذى حدث فى تركيا 2016م ، وتم التأثير على الانقلاب وألحق الهزيمة بالإنقلابيين هو لجوء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى هاتفه النقال (الآيفون)، ولجوء المساجد إلى (سماعاتها) التي انطلق منها صوت التكبير قبل ساعات من طلوع الفجر، بالإضافة إلى مسارعة الزعماء السياسيين من كافة الملل والنحل، وبعضهم يناصب الرئيس الخصومة والعداء، إلى المطالبة بكل وضوح ودونما مواربة بدحر الانقلاب، ليلقي بعدها رجال الشرطة القبض على الجنود المشاركين في المحاولة الانقلابية.
* قبل انجلاء الموقف ، كانت الساعات التى تلت التحرك الانقلابى ،كاشفة لمواقف الدول الغربية عموما وأمريكا خصوصا من الانقلاب، فوصفت سفارة الولايات المتحدة في أنقرة على أنه “انتفاضة” ، ومن الملفت أن قناة الـ”بي بي سي” العربية وقناة سكاي نيوز العربية، وقناة العربية، والمحرر الدبلوماسي في تلفزيون “آي تي في”، وشبكات الأخبار الأمريكية، كانت كلها تبث تعليقات وتحليلات تفيد بأن أردوغان انتهى، أو أنه لجأ إلى ألمانيا”، كما نشرت صحيفة الغارديان، مقالا كان عنوانه الأول (الذي ما لبث أن عُدل فيما بعد) يصف حال كاتبه، الذي لم يملك إخفاء غبطته لسقوط رجل وصفه بأنه طاغية إسلامي، حيث كان العنوان: “كيف سعر رجب طيب أردوغان التوترات داخل تركيا”.
* الجدير بالذكر أن ثلاث بلدان فقط هي التي وقفت مع أردوغان منذ اللحطة الأولى ودعمته منذ البداية هى (المغرب وقطر والسودان)، أما السعوية وقتها، انتظرت خمس عشرة ساعة، قبل أن تصدر بيانا تدعم فيه أردوغان، في تلك الأثناء كانت الإمارات ووسائل إعلامها تروج لإشاعة مفادها أن أردوغان هرب إلى خارج البلاد، رغم أن الحقيقة كانت على العكس تماما من ذلك ،
* بعد أن سقطت الأقنعة وتكشفت المواقف ،جاءت نقطة التحول عندما بثت (صور أردوغان وهو يتكلم عبر هاتفه الآيفون)، ثم انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم، وحتى تلك اللحظة، بدت الأمور كما لو أن الانقلاب كان على وشك النجاح. إلا أن أردوغان طالب شعبه بالخروج إلى الشوارع والبقاء فيها، فما كان من الناس إلا أن لبوا النداء، حتى لو كان في ذلك تهديدا لحياتهم ، وقد كان أن هزمت الإتصالات الدبابات وكل المؤامرات ، بعد أن تم إستثمارها وإستغلالها من قبل رئيس محنك، وقائد ملهم لشعبه ، قوى وآمين على وطنه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى