الخرطوم : الحاكم نيوز
أثبتت أحداث النيل الأزرق بين (الهوسا والبرتا) أنها فتنة سياسية وذات أبعاد سياسية أقحمت فيها الإدارة الأهلية إقحاما لشيئ في نفس يعقوب ..!، عزاها البعض لصراعات التشاكس القديمة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ، فيما عزاها آخرون لإفرازات ثورة ديسمبر التي تسيد فيها الشباب المشهد متنكرين للإدارة الأهلية ككيان راسخ له مطلوباته وأدواته وواقعه ، بينما عزتها مجموعة ثالثة لطموحات مكونات الحرية والتغيير (قحت) التي عملت علي شيطنة الإدارة الأهلية سويا مع الجيش والطرق الصوفية نكاية بالمؤتمر الوطني والتيار الإسلامي ،غير أن فئة رابعة عزتها لصراعات داخل الحركة الشعبية بين (عقار والحلو) ..!.
إلا أن الأحداث أثبت أن الولاية أو الإقليم أصبح هشا من حيث التكوين المجتمعي عكسما كان سائدا ومعلوما لدي الجميع أن مكونات النيل الأزرق من أكثر المناطق تعايشا سلميا وتصاهرا مجتمعيا وتساكنا وإنفتاحا علي بعضها البعض بدليل وجود وتعدد ما يعرف بمك عموم ويؤكد ذلك توافق هذه المكونات فيما بينها ، ولم نسمع للهوسا خاصة أي أطماع أو تطلعات ، وهم معروفون بهمتهم العالية في العمل لا سيما في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة يحبون العمل من كسب أيديهم ويوجدون أينما وجدت مناهل المياه .
ولكن مع الأسف أثبتت الأحداث أن النيل الأزرق بلا حاكم وبلا حكومة ، وأن أجهزتها الأمنية بعيدة عن الواقع ولا تجيد قراءات توجهات الأحداث ، وبل الحاكم نفسه ظلبعيدا عن التوقعات ، وربما لا يتجاوز حسه الأمني حدود (التمرد) بجيشه المحدود ، وإلا كيف يذهب الحاكم للعيد في منطقته (أولو) تاركا الأوضاع في العاصمة الدمازين ووصيفتها الرصيرص تموج وتتسربل الأحداث فيهما هنا وهناك لتدخل المنطقة في دائرة الفتنة بدلا عن تجنب وقوع الأزمة وبل معالجتها قبل نشوبها ..!.
بل أثبتت الأحداث فشل مسار المنطقتين وفشل إتفاقية السلام جوبا وبالتالي فشل الحركة الشعبية – شمال (عقار) وبالطبع فشل حاكمها أحمد العمدة بادي وفشل قائدها مالك عقار وفشل سياساته التي أصبح طابعها (خيار وفقوس) دون وضع إعتبار لبعض المكونات مما أغضبت الكثيرين .
كشفت مصادر أن إرهاصات تلكم الأحداث أطلت برأسها منذ مارس الماضي عندما إحتجت مكونات من قبائل النيل الأزرق لدي السلطات بشأن إمارة للهوسا لها خاتم وبطاقات ، ظهرت للعلن بسبب تصاعد حدة الخلافات بين مكونات الحرية والتغيير (قحت) بالنيل الأزرق وبعض أعيان الهوسا ، مع الأسف تجاهلها الحاكم أحمد العمدة وربما يعلم بذلك ، وإذ تتهمه بعض المكونات بأن الترتيب تم بعلمه وبعلم مالك عقار المتهم بوعده للهوسا بالنظارة منذ إنتخابات العام 2010 .
وبل كشفت المأساة أن لأهلنا الهوسا مكونا تنظيميا قديما بالنيل الأزرق منذ العام 1998 يعمل علي تنظيم أفرادها وتوفير التعليم والقضايا الإجتماعية والمحافظة علي إرث وثقافة الهوسا بإعتباره مكونا إجتماعيا كبيرا وله وجود قوي بالنيل الأزرق أسوة بولايات السودان الأخري وقد برز ذلك من خلال مسيرات الإستنكار التي خرجت تضامنية سياسية بكل من الخرطوم والجزيرة والقضارف وكسلا وبورتسودان والنيل الأبيض وشمال كردفان وشمال دارفور وغيرها .
مع الأسف قنوات فضائية مشهورة ومواقع ومنصات تواصل إجتماعي أحدثت ربكة في المشهد القبلي بالبلاد حينما زجت بإسم قبيلة (البرتي) في الصراع بدلا عن (البرتا) التابعة للأنقسنا (الهمج) وليس (البرتي) وهم أهل حاكورة دار (البرتي) في شمال دارفور بقيادة الملك ياسر حسين احمداي آدم تميم حيث يوجد مقر مملكتهم في مليط التي تغزل فيها الشاعر العباسي (حياك مليط صوب العارض الغادي ** وجاد واديك ذا الجنات من وادي ..) ، علي كل وقعت الأحداث قاسية علي أهلنا الهوسا وقد وجدت إستنكارا واسعا وتعاطفا من قبل الجميع ، رغم أن أهلنا (البرتا) كأحد مكونات النيل الأزرق (الصعيد) المهمة يتهمون الهوسا بالتصعيد وتطورات الأحداث .
وليس بعيدا عن ذلك فقد أثبتت الأحداث أيضا أهمية الأجهزة الأمنية ودورها المحوري في حفظ الأمن ولكن السؤال لماذا تأخر تدخلها بعدما الفأس وقعت في الرأس ومن المسؤول عن ذلك ..؟! ، ولتكتمل الأدوار ومساعدة لجنة التحقيق وتقصي الحقائق (لعن الله من أيقظ الفتنة ..!) فلابد من منع كافة المؤتمرات الصحفية وقد بدأها الحاكم أحمد العمدة إذ منع وسائط الإعلام من نقل مؤتمرا صحفيا كان مقررا للمك أبو شوتال (ملك خشم البحر) إقامته أمس الأربعاء بمقره الرصيرص (حيث إندلعت الأحداث) ، كما هو مطلوب أيضا إيقاف كافة المسيرات وعمليات الإحتشاد التي تحولت لمنابر سياسية ، مع إعطاء الأولية لحملات الدعم والمؤازرة والمساندة لاغاثة المنكوبين من السكان الذين هجروا دورهم واصبحوا نازحين بين عشية وضحاها .
تعالت أصوات تنادي بحل الإدارة الأهلية ولكن أعتقد إنها كيان إجتماعي مهم لها مكانتها في ولايات السودان المختلفة وليست سيئة لتلكم الدرجة مثلما طالب صلاح قوش بإلغائها أو تجميدها أو إبعادها من الواجهة المجتمعية وتفعيل القبضة الأمنية في ظل هذه الظروف ، وقد حاولت مكونات (قحت) ذلك ولكنها فشلت فيها لكثير من الإعتبارات والواقع والموروثات ، فالإدارة الأهلية لها دور محوري ويمكن تطويعها وتنظيمها لمهمة حفظ الأمن وتنظيم قضايا مجتمعاتها وبل إستنفارهم في مجالات التنمية والخدمات وغيرها.
علي العموم جرت مياها كثيرة تحت الجسر وماعادت الإدارة هي ذات الإدارة الأهلية بأدواتها ومطلوباتها القديمة وماعاد المجتمع ذات المجتمع التقليدي المحصور وقد تداخلت المجتمعات وتعايشت وتصاهرت وتوافقت وتواثقت علي أسس ومتطلبات جديدة وبالتالي تجعل جميعها أن يكون للإدارة الأهلية قانونا تنظيميا جديدا في السودان .
الرادار .. الخميس 21 يوليو 2022 .