الراصـــــد – فضل الله رابح – بنك التنميـــة الإفريقي .. وإحيـــاء سهول وأبطح كردفان ..

حقاً إن الشعوب لا تموت بسبب الحصار الخارجى وحـده وإنما يقتلها الحصار الداخلى وسوء الإدارة التى تقتــل الإبداع وتعيق المبادرات فيظل المواطن مقهوراً بأساسيـات الحياة على رأسها الماء الصالح للشرب ومنطقة النهود فى غرب كردفان واحدة من مناطق الانتاج والحراك الاقتصادى لكنها ظلت أسيرة وكسيرة العطش للإنسان والحيوان ولكل الحياة الإنسانية والنباتية وعلى الرغم من أن الله قد خص بعض أجزاء تلك المنطقـــة بوفـرة الماء فى المسطحات المائيـة والأوديـة ومياه الامطار التى تغمر مساحات واسعة من أراضى كردفان لكن لم يفكر أحد فى إستغلال هذه الفرص وحصادها لمعالجة مشكلة شح المياه المستفحلة فى بلد مياه الخريف تغمر أراضيه ومعروف السودان بلد يموت فيه الانسان وينفق الحيوان و تجرف مياه الوديان النبات في فصل الخريف بينما يموت الانسان والحيوان في اخر العام (الصيـف) بسبب شح الماء في بعض اجزائه الغنية و مثلت مشكلة نقص المياه في كردفان و دارفور ظلت معضلـة كبيرة حالت دون الاستفادة من الثروات و الارض البكر هناك ومصادر المياه باتت واحدة من أهم أدوات الصراع القبلى ..
و في سبعينات القرن الماضي إمدت مشروعات صندوق النقد الدولي و السـوق الاوربية المشتركـة وحكومة السودان ممثلة في وزارة الري والهيئة القومية لمياه الريف إلى ما يعرف جغرافياً بمثلث العطش في بادية كردفان الشمالية وتحتفظ ذاكرة أجيال السبعينيات والستينيات بصورة لنائب برلماني من دائرة بارا غرب الشيخ الراحل/ مشاور جمعة سهل وهو يدخل البرلمان حاملاً (جركانـة ماء ) ونائب آخر من دار حمر وهو العـــم ( عبدالرحمن عمر عبدالله ) دخل البرلمان وهو يحمل بطيخة تعبيراً عن العطش وأن الإنسان والحيوان بتلك الديار يعتمدون في حياتهم على هذه البطيخة في الكلا والشرب ولم تنهض السلطة حين ذاك بعلاج المشكلة بشكل جذرى وبرغم (الساخرين) بوصف النائب البرلماني بنائب العُطاشة إلا أنه بفضل الله وعبقريـته نفذت حكومة مايو 1969 – 1985 مشروعاً لمحاربة العطش بحفر أربعون محطة مياه في كردفان ومثلها في دارفور ساهمت تلك المحطات في درء آثار العطش وتحقيق قدر من الإستقرار لمناطق إنتاج الصمغ العربي وحاضنة الضأن الحمرى والكباشى والإبل والماعز وهى أعز ما يملك السودان من ثروات وموارد نقديـــة قبل النفط والذهب ثم عاد الأمل بأرض الرمال والتلال مرة أخرى بتنفيذ المشروع الذي اطلقوا عليه مشروع القرن وبتمويل من بنك التنمية الأفريقي ( ١١ مليون بورو) وإرادة وطنية وخبرات سودانية وبه عادت حكومة السودان مرة أخرى في الأعوام الماضية ( سنوات الإنقاذ) لقهر العطش من خلال مشروع (الخط الناقل لمياه غرب كردفان) بتوفير الماء للإنسان والحيوان والنبات في منطقة (دار حمر) شمال غرب كردفان وهي منطقة تعد من أفقر مناطق المياه جوفياً ولكنها في ذات الوقت الأغنى بالثروة الحيوانية التي تضاهي البترول والماس الغابي (الصمغ العربي ) وإذ كان ذلك الحزام الغني بالموارد والفقير بالخدمات كالماء والطرق فإن مشروع (القرن) الذي إكتمل الآن يمثل بارقة أمل لعودة نزوح الآلاف من الأهالي لتلك الديار ويمتد مشروع الأمل لسقي العطشى وعودة الحياة لـ مسافة 70 كيلومتر شمالاً من النهود العاصمة الثانية لإقليم (كردفان) بعد الأبيض حتى منطقة عيال بخيت وهي منطقة غنيـة بالثروات وبها اكبر سوق للماشية لولا هجرة المواطنين هروباً من الظمأ وبسببه جفت أرضها ونفقت ماشيتها وضربت كثبان الرمل شجيرات الهشاب فقضت على بعضها وبات شبح الموت مخيماً على من يتوغل في نجوع تلك الأراضي الحيـــة ..
إستفادت الحكومة من حوض النهود حيث بدأت وزارة الري في دراسة التربــة وخيارات توفير المياه وكان حوض النهود الجوفى هو الملاذ الأخير لري تلك الأراضي الواسعة وعودة الحياة إليها نظراً لوفرة الإحتياطي المائي الجوفي المتجدد من تغذية مياه الأمطار الموسمية وبدأ المشروع بحفر 10 آبار جوفية بأعماق مختلفة (من 130 إلى 146 متر) بواسطة شركة سودانية من القطاع الخاص
(شركة ويلز) التى يقودها كادر وطنى مقتدر .. تقوم الشركة بتجميع المياه في حوض خرساني ضخم (سعة 3100 متر مكعب) ومن ثم ضخها بواسطة طلمبات طاردة عبر خطوط ناقلة إلى مسافة 70 كيلومتر من منطقة أم البدري شمال شرقي مدينة النهود إلى عيال بخيت في أقصى الشمال وتتفرع من الخط الرئيسي بواسطة خطوط فرعية بطول 17 كيلومتر ثلاث عشر محطة مياه على طول الخط الشمالي وخط مياه آخر من جبل حيدوب إلى منطقة (كنجارة) بطول 70 كيلومتر بما يعرف بالخط الغربي تم التنفيذ بأحدث ما توصلت اليه تقانة مشاريع المياه علي مستوي العالم فقد استخدمت التقنية الرقمية ( نظام الاسكادة ) في التشغيل و الطاقة الشمسية والكهرباء العامة ومحطات توليد كهربائية ( مولدات مختلفة السعات) و طلمبات مياه غاطسة و طاردة اوربية الصنع كما تم تشييد محطات تستقبل المياه في تلك القري صممت بأحدث المواصفات لخدمة الانسان و الحيوان بمنطقة دار حمر ولإدارة شراكة هذا المشروع الضخم تم تكوين إدارة تنفيذية وتنسيقية في ذات الوقت (مشروع تأهيل وتنمية القدرات المؤسسية) برئاسة وحدة مياه الشرب والصرف الصحي وإدارة تنفيذية بولاية غرب كردفان تقوم بتنفيذ والإشراف على محاور المشروع ومكوناته وبعد أربع سنوات من الكد والمثابرة و عطاء الكفاءات السودانية التي احتملت اقصى الظروف المناخية و غالبت الشركة المنفذة الصعوبات المالية و ما تعرض له العالم من نكبات (وباء الكرونا) فجرت المياه الان في شرايين الحياة و جسد المشروع وزغردت النسوة فرحاً بانقشاع حقبة موجعة من العطش و مثل حوض النهود الجوفي سر نجاح المشروع و يتغذى الحوض من المياه الموسمية المتجددة مما يضمن استمراريته وقد اختيرت منطقة ام البدري للاستخراج المياه باعتبارها الخيار الاقرب و الاقل تكلفة لمساميـة الارض و موقعها الجغرافي باعتباره الاغني بالماء وفقاً لدراسات شركة نيوتك السودانية كاستشاري لهذا المشروع
و قد طرحت عطاءات المشروعات علي الشركات الوطنية و العالمية (الاجنبية) و فازت بالعطاء شركة ويلز للاستثمار والخدمات السودانية لما تملكه من كفاءات وقدرات ولم يخيب الظن و الرجاء في الشركة التي استطاعت تنفيذ أكبر مشروع مياه في السودان بحفر 10 ابار جوفية عميقة خمسة منها بجبل حيدوب ( وكل من يدخل مدينة النهود من الناحية الشرقية يجد المشروع شامخاً على شماله ) وخمسة آبار أخرى بمنطقة أم البدري و الابار العشرة تصب في حوض خرساني ضخم بسعة (3100 متر مكعب) لكل حوض ومن ثم بواسطة مضخات طاردة تتدفق المياه عبر انابيب تشق كثبان الرمال من اجل الانسان و الحيوان و الارض و النبات لإعادة الحياة و الامل لتلك البقاع .. و المشروع يمثل نموذجاً يمكن الاستفادة منه في مناطق اخري من السودان الذى تعاني بعض أطرافه من مشكلات تقارب ما ظلت تعاني منه منطقة كردفان الشماليــة الا ان مشروع القرن بالنهود يمثل البدايـة للقضاء علي العطش و اعادة اعمار الارض و بث الحياة في الرمال و الاودية و تعمير القري التي هجرها انسانها واعتقد هذا يمثل الانجاز الوحيد ضمن المشروعات التي كانت قائمة سابقاً وورثتها الحكومة بعد التغيير والذي واصلت حكومة الفترة الانتقالية في تنفيذه وهو الآن رأي النور وعلي الحكومة ان تحتفل بتدشينه بما يليـق بعظمته تحفيزاً لبنك التنمية الإفريقى وحمله على المزيد من الاعمال وتمويل المشاريع بالسودان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى