شرف الدين احمد حمزة يكتب : السودان ومصر منظورات جديدة للعلاقات(تحديات البقاء والنماء) ( 4)

الخرطوم- الحاكم نيوز
هل يمثل الإلتزام الرئاسي المصري بإمداد إسرائيل بمياه النيل ضمن الملاحق السرية لإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة بين الطرفين عام 1979_هل يمثل هذا الإلتزام(المسكوت عنه)الدافع الأساسي وراء التعنت الإثيوبي بعدم التوقيع على أي إلتزامات قانونية من جانب إثيوبيا أو إبداء أية مرونة تجاه مطلوبات السودان ومصر معا بشأن الملء الموسمي الجزئي والكلي لخزان حوض بحيرة سد النهضة؟
إن إثيوبيا وطوال جولات التفاوض لم تطرح قضية موقع الإلتزام المصري الرئاسي بإمداد إسرائيل بنصيب من الإيراد السنوي لنهر النيل فما هو السرالكامن وراء الصمت الإثيوبي بشأن هذا الموضوع تحديدا وعدم إثارته على أي مستوى من مستويات التفاوض سواء على المستوى الفني أو الوزاري أو الرئاسي؟!!
حتى الإعلام الإثيوبي لا تستغرقه هذه القضية إلا لماما حيث يبدو أن لإثيوبيا حسابات أخرى وتكتيكات أخرى مخفية سيما وأن إثيوبيا تطرح هذه الأيام ورقة تفاوضية جديدة حول قسمة المياه والأنصبة المائية وقد رد السودان على لسان وزير الري وكذلك بلسان وزيرة الخارجية بالموافقة على هذا الطلب ولكن بعيدا عن قضية الملء الجزئي الموسمي والكلي وسياسات إدارة وتشغيل سد النهضة!

إن ورقة الإلتزام الرئاسي المصري والملاحق السرية لإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية هي كلمة السر والمفتاح النهائي كما يبدو لي لقضية سد النهضة الإثيوبي والتي باتت تهدد بحرب طاحنة باتت نذرها بادية للعيان لكن إثيوبيا تلعب بمهارة شديدة ورقة(حد السيف)أو(حافة الهاوية)وفي اللحظة المناسبة ستبرز هذه الورقة الحساسة جدا جدا بالنسبة لمصر والغائبة عن العقل السياسي السوداني وبالتالي فإن المفاوض السوداني تغيب ورقة مهمة جدا جدا من الأوراق التي تمثل ما وراء طريقة التفكير الإثيوبي والدوافع الخلفية التي تبدو تعنتا وجمودا في الموقف الإثيوبي_لكن الحقائق كاملة ستتضح للجميع عندما ينتقل الجميع لمربع مفاوضات قسمة الأنصبة والإيراد السنوي للنيل الأزرق بناء على المعادلات الحسابية الجديدة للأنصبة والتي تشمل تعداد السكان،والناتج الحقلي والبستاني والغابي والعشبي والحيواني….الخ والتي منها سينتقل الجميع إلي مربع القيمة السعرية للمياه التي وضعها خبراء تسعيرة المياه بالبنك الدولي .

بعد الإستقبال الرسمي للرئيس المصري الراحل السادات بمطار “بن جوريون”بتل أبيب ووصوله إلي مقر إقامته الرسمي بفندق”الملك داؤود”طلب على الفور من سكرتاريته الإتصال بوزير الزراعة الإسرائيلي”عيزرا وآيزمن”لمقابلته عاجلا بالفندق سيما وأنه لم يكن ضمن المستقبلين الرسميين من أعضاء الحكومة الإسرائيلية،وقد برر الرئيس السادات هذا الطلب بإعتبار أن “عيزرا وايزمان”ولد ونشأ وترعرع ودرس مراحله الأولية بمصر بمدينة الإسكندرية ضمن الجالية اليهودية التي غادرت الإسكندرية في أعقاب حرب 1948والمتبقي غادرها في أعقاب ثورة 23/يوليو/1952ومرحلة التأميم والمصادرة اللاحقة.
وحضر وزير الزراعة الإسرائيلي(عيزرا وايزمان)على الفور إلي جناح الرئيس السادات وإحدى ساقيه موضوعه في “الجبس”حيث قدر الرئيس ظرفه وهذا وأخذ يتبادل معه أحاديث ذكريات أيام الإسكندرية،ومن ثم بادله (عيزرا)أريحيته في الحديث معه بلهجة مصرية قائلا له ” نورت يا ريس”بما جعل الرئيس السادات يشعر بالإطمئنان لأفكاره وشرح له في عجالة أهداف زيارته وأسر له بأنه يأمل في العودة إلي مصر مكللا بنجاح زيارته وأنه يأتمنه على سر مفاده حين قال له((إسمع يا عيزرا أنا قررت أن أمد فرعا من مياه النيل إلي إسرائيل عبر سيناء حتى النقب داخل إسرائيل)).

كما يحكي الأستاذ/محمد حسنين هيكل في الجزء الثاني من كتابه بعنوان”زيارة جديدة للتاريخ_أسرار المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل))حينها أبدى “عيزرا وايزمان”وزير الزراعة الإسرائيلي دهشته الكبرى من مقولة الرئيس وتمنى له إقامة طيبة وأن تكلل زيارته بالنجاح.
وبعد ان القى”مناحيم بيجين”صباح اليوم التالي كلمته في الكنيست الإسرائيلي وقدم ضيفه لمخاطبته وأعلن السادات أنه جاء يحمل غصن الزيتون وأطروحته للسلام العادل معلنا أنه يأمل أن تكون حرب أكتوبر آخر الحروبات بين العرب وإسرائيل وصفق له أعضاء الكنيست طويلا.
وضمن جلسة المباحثات المسائية الرسمية تبودلت الكلمات وهمس السادات لمضيفه بمشروعه الرامي لتوصيل مياه نهر النيل إلي النقب عبر سيناء مقابل صفقة للسلام الشامل بإنسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة إلي حدود ما قبل 5/يوليو/1967.

وضمن جولة حرة للرئيس السادات ببعض المدن داخل الأرض المحتلة وفي “خان يونس”صرح الرئيس السادات للصحفيين بأنه طرح على الحكومة الإسرائيلية توصيل مياه نهر النيل إلي إسرائيل عبر سيناء وأطلق على مشروعه هذا ((مشروع مياه المؤمنين))بإعتبار أن اليهود أهل كتاب واراد إضفاء نوع من القداسة على مشروعه لكن تصريحه هذا قوبل بالرفض والإستنكار من جانب العديد من بلدان حوض النيل ومن بينها إثيوبيا والعديد من العواصم العربية والإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكان هذا أول خروج للعلن بنوايا السادات بتوصيل مياه نهر النيل إلي إسرائيل.

أزاء الضجة الكبرى التي أثارتها تصريحات الرئيس السادات في خان يونس إضطر د.بطرس بطرس غالي،وزير الدولة للخارجية المصرية أن يخفف من خطورة وحدة تصريحات الرئيس قائلا للإعلام أن الرئيس لم يكن جادا في هذا الطرح ولم يكن يقصد ما إتجهت إليه أجهزة الإعلام في تناولها لتصريحات الرئيس تلك لكن محاولات د.بطرس غالي ذهبت أدراج الرياح وكانت محاولات بمثابة العذر الأقبح من الذنب!
وفي أعقاب توقيع إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل أعلن الرئيس المصري أنور السادات في أكتوبر1979البدءفي تنفيذ مشروع ترعة السلام التي ستنقل مياه النيل إلي صحراء سيناء في إشارة لتنفيذ وعده بتوصيل مياه النيل إلي النقب الإسرائيلي.
كانت المعلومات قد رشحت بأنه سيتم تمرير مياه النيل عبر ترعة الإسماعيلية أسفل قناة السويس بواسطة ست سحارات بسرعة300م مكعب.ث،وقد تم إفتتاح وإستكمال ترعة السلام وإفتتاحها رسميا بحضور الرئيس المصري محمد حسني مبارك عام1993ضمن إحتفال رسمي نقلته أجهزة الإعلام والوسائط!

لكن وقبل إغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة الأليم وفي العام1981وبينما كان مجلس الشعب المصري يبدأ جلسة عادية بأجندة مقررة سلفا إذا برئيس المجلس رفعت المحجوب يتلقى إتصالا عاجلا من الرئيس السادات يفيده بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين قد إتصل به هاتفيا محتجا بأن الكنيست الإسرائيلي قد أجاز وصادق على إتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين الأمر الذي لم يتم في مصر وعليه فإن الرئيس السادات طلب من رئيس مجلس الشعب المصري إلغاء جدول أعمال المجلس وإستبداله بإجازة إتفاقية السلام والمصادقة عليها اليوم!

أخطر السيد/رئيس مجلس الشعب المصري أعضاء المجلس بفحوى إتصال الرئيس وطلب من سكرتارية المجلس توزيع نسخ إتفاقية السلام على الإعضاء للإطلاع عليها ثم يفتح باب النقاش توطئه للمصادقة البرلمانية عليها_لكن عدد من أعضاء المجلس طلب الملاحق السرية المبرمة مع الإتفاقية لتكتمل الصورة لديهم وأجابهم رئيس المجلس بأن رئاسة الدولة لم تودع هذه الملاحق مع الإتفاقية بالمجلس وأن الرئيس إنما طلب المصادقة مع الملاحق!
لكن عددا كبيرا من أعضاء المجلس ثاروا وطلبوا الملاحق الخاصة بالإتفاقية وإلا أنهم سوف لن يناقشوا الإتفاقية نفسها ولن يصادقوا عليها!
حينها أمهلهم رئيس المجلس للحظات ليتم الإتصال بالرئيس وإبلاغه برغبة أعضاء المجلس بأهمية الإطلاع على الملاحق الخاصة بالإتفاقية قبل إجازتها_لكن الرئيس أبلغ رئيس المجلس برفضه لهذا الطلب بل طلب منه رفع الجلسة وإلغائها.

لكن الرئيس السادات في ذات اليوم قام بحل مجلس الشعب وتسريح أعضائه كلية وقام بإجازتها والمصادقة عليها بأوامر مؤقتة وفق ما يخول له الدستور_كما قامت الشرطة والإجهزة الأمنية بإعتقال عددا من أعضاء المجلس وإتهامهم بالتعاطي والإتجار في المخدرات وإيداعهم بسجن القلعة!!!!!!

لكن ما هي المواصفات والقياسات المعيارية لترعة السلام والجهات الهندسية التي وضعت فكرتها الأولية؟

نواصل بمشيئة الله،،،

شرف الدين أحمد حمزة
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى