شرف الدين أحمد حمزة يكتب : في الذكرى 52 لثورة 25 مايو الإشتراكية (لكي لا ننسى)

الخرطوم الحاكم نيوز

لقد صدق العقل الجمعي الكلي للشعب السوداني وهو يحكم بأن الإنقلاب الشيوعي الذي قاده الرائد هاشم العطا ظهيرة19/يوليو/1971لن يصمد على مسرح السياسة في السودان أكثر من 48ساعة،وذلك بعد أن إستمع إلي البيان الأول للإنقلاب والذي تعثرت ولادته لثماني ساعات متصلة منذ أن أعلن راديو هنا أم درمان عند الساعة الثانية ظهيرة ذلك اليوم أن هناك بيانا هاما للرائد هاشم العطا سيذاع بعد قليل فترقبوه!
لقد كان مضمون ومتن البيان نفسه غير المترابط والفطيرة يحكي ويعكس أن هناك وراء الأكمة ما ورائها حيث تهربت القيادات العليا للحزب الشيوعي السوداني من كتابة البيان الأول لقائد إنقلابها تهيبا وخوفا من ردود الفعل العنيفة المتوقعة من جانب جماهير الشعب السوداني وحلفاء النظام في مصر والجماهيرية الليبية حيث كان هناك ما يعرف وقتها بميثاق طرابلس بين مصر والسودان وجماهيرية العقيد المرحوم معمر القذافي وكانت غالبية الشوارع الرئيسة بالخرطوم ومدن السودان الكبرى تحمل شعار (ناصر قذافي نميري)و(حرية إشتراكية وحدة)وفق أكلشيه موحد.
كانت قرون إستشعار الحزب الشيوعي السوداني قد إستشعرت الغضبة الكبرى للشعب السوداني المسلم آزاء الموكب الكبير الذي قاده الحزب الشيوعي السوداني ظهيرة يوم 22يوليو 1971وهتافاته التي تقول(سايرين سايرين في طريق لينين)و(الخرطوم ليست مكة)حيث تقدم الموكب قادة الحزب وزعماؤه حيث تمت تغطية العمارات المطلة على ساحة الموكب بشارع القصر باللافتات الحمراء بحيث كانت اللافتة الواحدة بطول”طاقة”قماش بكاملها إمعانا في إستخدام الوسائل البصرية في تثبيت هوية الإنقلاب الشيوعي التصحيحي .
كانت سكرة الإنقلاب الشيوعي التصحيحي قد إستبدت تماما برأس قيادات الإعلام من الشيوعيين وفنانيهم خاصة الفنان محمد عثمان وردي في لقائه الشهير بالإذاعة السودانية حيث لحن على وجه السرعة انشودته التي يؤيد خلالها الإنقلاب الشيوعي التصحيحي والذي تقول مقاطعه(لاك حارسنا ولاك فارسنا يالقفلت مدارسنا)في نقيض لنشيده السابق(يا حارسنا وفارسنا لناس بيتنا ومدارسنا لينا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا)؟!!! وكانت برقيات التأييد من النقابات الشيوعية تنهال على القصر الجمهوري تقول”إضربوا بيد من حديد على الخونة والمارقين”وتقول ((بالواضح سايرين سايرين في طريق لينين)) حيث يتم إحالة البرقيات فورا إلي الإذاعة السودانية التي ما فتئت تكرر وتعيد إذاعة هذه البرقيات على مدار ساعات إرسالها.

●لكن الخبر الصاعقة الذي أحبط معنويات قيادات الحزب الشيوعي السوداني وجماهيره هو الخبر العاجل الذي طيرته وكالات الأنباء العالمية والمتعلق بقيام جماهيرية العقيد القذافي بإجبار طائرة الخطوط الجوية البريطانية على الهبوط القسرى الإجباري بمطار طرابلس في ليبيا حيث كان رئيس الإنقلاب الشيوعي التصحيحي العميد بابكر النور سوار الذهب وكذلك عضو مجلس قيادة الإنقلاب الرائد فاروق عثمان حمدالله من ضمن ركاب هذه الطائرة حيث إعتقلتهما المخابرات الليبية وإحتفظت بهما رهن الإعتقال بطرابلس وقد أفلت من الإعتقال القيادي الشيوعي د.عز الدين علي عامر والذي كان معهما من ضمن ركاب الطائرة حيث لم تتعرف عليه المخابرات الليبية لبياض لونه فقد حسبته المخابرات الليبية أحد الخواجات من ركاب الطائرة.
لم تكن قيادة الحزب الشيوعي السوداني حصيفة وهي تبادر بالإعلان عن هذا النبأ الصاعقة خلال موكبها الجماهيري ظهيرة22/يوليو/1971الأمر الذي أوضح إرتباك قيادة الحزب وتهورها وعدم تقديرها للآثار السالبة على جماهير الحزب والرأي العام الداخلي المعارض والمضاد للإنقلاب الشيوعي التصحيحي.
عندما إنقشع موكب الحزب الشيوعي المؤيد للإنقلاب التصحيحي نهاية نهار 22/يوليو/1971فوجئت بمظاهرات أخرى مضادة ومتعددة خرجت من الأحياء والأسواق وهي تهتف بملء حناجرها ((وافي وافي يا قذافي))وقد أحدثت هذه الهتافات الداوية من المواكب المضادة للإنقلاب الشيوعي التصحيحي فعل السحر وسط الجماهير والتي إستمرت في تظاهراتها المضادة حيث إنتظمت هذه المواكب أحياء وأزقة وطرقات الخرطوم الأمر الذي أسقط في أيدي الحزب الشيوعي وجماهيره وإنقلابه التصحيحي.

●إزدادت وتوسعت الحشود الجماهيرية المضادة للإنقلاب وتنوعت شعاراتها وجاءت بهتاف جديد داو كان له فعل السحر في أوساط جموع الشعب السوداني المناهض للإنقلاب الشيوعي التصحيحي وهو هتاف((عائد عائد يا نميري_عائد عائد يا نميري))وإختلط مع هتاف((وافي وافي يا قذافي))بما جعل قيادات الحزب الشيوعي السوداني يتحسبون لتدخل خارجي حتمي لإنقاذ وإستعادة النظام الأمر الذي جعلهم كذلك يتحسسون مواطئ أقدامهم ويستعدون للهرب والإختفاء القسري.
وبينما كذلك هي هذه الحالة المزرية إذا بدوي دانات الدبابات والمجنزرات تهز أركان العاصمة السودانية في إتجاه القصر الجمهوري والذي كان الرئيس جعفر نميري معتقلا داخل إحدى غرفه،فقد إندفعت كتيبة الدبابات من معسكر الشجرة وهي المعروفة بكتيبة”جعفر”ولم تأبه الحشود الجماهيرية بدوي دانات الدبابات الموجهة إلي القصر الجمهوري حيث سرعان ما كانت الشوارع المحيطة بالقصر تتحلق حولها سيول متدفقة من جماهير العاصمة التي كانت مثلثة يومها.
وكانت المفاجأة أنه مع إقتراب غروب شمس ذلك اليوم إستطاع الرئيس نميري المعتقل داخل القصر مقاومة حراسته مقاومة جسورة وإنطلق إلي حائط القصر الجمهوري الغربي المواجه لمبنى وزارة المالية وكذلك المؤسسة العامة للبريد والبرق والهاتف وتسلق حائط القصر وما أن شاهدته الجماهير إلا وإندلقت نحوه تساعده على الهبوط الآمن وكانت سيارة الفنان سيد خليفة تمر على مقربة من القصر فاستوقفتها الجماهير لتحمل الرئيس نميري إلي وجهة جديدة غيرت مسار تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ومسار السودان بأكمله.

●سرعان ما أعلن راديو أم درمان وتلفزيون السودان عن خروج الرئيس نميري من معتقله وأردف ذلك بإعلان عاجل لجماهير الشعب السوداني بأنه بعد قليل سيذيع الرئيس القائد جعفر محمد نميري بيانا هاما على الشعب السوداني وبدأت المارشات العسكرية والأناشيد الوطنية تلهب مساءات العاصمة السودانية والمدن والقرى والأرياف.
وما هي إلا لحظات إلا وأطل الرئيس جعفر محمد نميري على مواطنيه عبر شاشة تلفزيون السودان وإذاعة أم درمان حيث كان يرتدي زي الجنود الأفراد دون دبابير أو رتبة عسكرية يبدو عليه الإنهاك الشديد والرهق وهو يمسك بزراعه الأيسر في إشارة إلي إصابته ببعض الكدمات حيث أتى مباشرة من سلاح المدرعات مقر كتيبة “جعفر”التي بددت أوهام الحزب الشيوعي السوداني في أقل من لمحة!
بدأ الرئيس نميري حديثه المباشر للشعب مقدما له الشكر بمقولته التي سارت بها الركبان آنذاك بقوله(شكرا شعبي شكرا شعبي)،وحكى قصة إعتقاله ومعاناته وتأمر الحزب الشيوعي السوداني وقيادته و توعدهم وعيدا شديدا بمحاكمات عسكرية عادلة وعاجلة.

●مما زاد محنة الحزب الشيوعي السوداني وقيادته وصول كتيبة الجيش السوداني التي كانت مرابطة على جبهات القتال مع العدو الصهيوني عند قناة السويس وقد وصلت الكتيبة في معية اللواء “خالد حسن عباس”وزير الدفاع والذي كان إبان الإنقلاب الشيوعي التصحيحي في زيارة عمل رسمية لجمهورية مصر العربية متفقدا لقواته على جبهة القتال مع العدو الصهيوني.
في تلك اللحظات فرت قيادات وزعامات الحزب الشيوعي السوداني وقادة الإنقلاب التصحيحي المندحر وكوادر الحزب العليا إلي حيث لا يعلم أحد وإنفرط عقدها وتفرقت أيدي سبأ في طرقات العاصمة وبدأت الإذاعة تعلن عن تعقب الأجهزة الأمنية لهذه الكوادر والإعلان عن طلب إلقاء القبض عليها وفق قوائم على رأسهم” عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي ،والشفيع أحمد الشيخ أمين عام الحزب ،والرائد هاشم العطا قائد الإنقلاب التصحيحي “وعدد من ضباط وضباط القوات المسلحة وكوادر شيوعية مدنية أخرى ولكن إلي أين هرب هؤلاء وكيف تم إلقاء القبض عليهم؟

نواصل إن شاء الله تعالى،،،
*شرف الدين أحمد حمزة
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى