الرادار – ابراهيم عربي (القمح) …. الإكتفاء الذاتي ..!

الخرطوم الحاكم نيوز

لا أدري لماذا خرجت معظم التصريحات سالبة وأحاديث غير موفقة لمجرد أن المساحة المزروعة من القمح زادت تلقائيا لأكثر من (500) ألف فدان بمشروع الجزيرة للموسم الشتوي (2020 – 2021) ضمن (900) الف فدان بالبلاد حسب تصريحات وزير الزراعة البروف الطاهر حربي لتلفزيون السودان ، فهل يعني ذلك عجز إمكانياتنا وتواضع طموحاتنا، أم قصور الرؤية والخطة ، أم تلك مردها لتواضع طموحاتنا في ظل صراع المياه وسيطرة أباطرة القمح بدول العالم ؟ .
علي كل دشن رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية الدكتور عبد الله حمدوك أمس عمليات حصاد القمح بالمشروع بالتكينة ، مخاطبا المزاعين بالمعيلق لأول مرة منذ توليه المسؤولية قبل أكثر من عام ويرافقه وزراء المالية والري والزراعة والحكم الإتحادي وعدد من المسؤولين وسط هتافات جديدة (حرية ، سلام وعدالة .. والإنتاج خيار الشعب) ، علي أساس أن الإنتاج يتطلب النهضة وتلك يصنعها الإنسان وهي لأجل الإنسان أيضا .
أعتقد لأول مرة يتذوق فيها الدكتور حمدوك طعم وحلاوة الإلتحام مع الجماهير بعد أكثر من عام ، رغم عقلية الإحترازات الأمنية التي سيطرت علي الحدث فأربكت البرنامج وأصبحت محل حديث الناس ، لكنه خاطب أهل الإنتاج والنهضة من المعيلق من القلب إلي القلب ، نموذجا للقاءات حرم منها الرجل كثيرا بسبب بيرقراطية مكتبه الذي أراد له أن يظل داخل (لدايات الخرطوم) ، لذلك نحسب أن رئيس الوزراء قد تأخر كثيرا ، مقابل الوقوف ميدانيا علي التدمير (المقصود) الذي تعرض له مشروع الجزيرة بسبب العقوبات الأمريكية في ظل السياسة العرجاء التي إتبعتها الحكومة السابقة .
بلاشك إنها زيارة ميدانية مهمة لرئيس الوزراء جاءت عقب مخاطبته ورشة خاصة لتأهيل المشروع متمثلة في تأهيل منظومة الري والبنية التحتية والهندسة الزراعية  ، وبالطبع لها تبعاتها ، فلابد من توفير التقانة والحاصدات والخيش والوقود علاوة علي توفير السيولة  اللازمة لشراء المحصول ، فضلا عن توفير الأمن لتأمين الحصاد بجانب الترحيل والتخزين وغيرها من متطلبات الحصاد .
علي العموم إنطلقت عمليات الحصاد من التكينة وسط توقعات بإنتاج جيد ، بمتوسط (16) جوال للفدان علي مستوي البلاد ، بينما أعلن رئيس الوزراء من المعيلق رسميا رفع السعر التركيزي لجوال القمح من (10 آلاف – 13500) جنيه ، ويعتبر ذلك سعرا مشجعا ودفعا جيدا لمقدرات المزارعين مقارنة بالسعر العالمي لطن القمح الكندي اليوم (292) دولار أي (11) الف جنيه للجوال .
 ولكن كيف نستطيع تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح في ظل التحول الكبير في النظام الغذائي من الإستهلاك من الذرة إلي القمح لا سيما الولايات ، بينما لا توجد حتي دراسة حقيقية تؤكد حجم الإحتياجات الفعلية من القمح ، غير أن وزير الزراعة قال في تصريحاته إن البلاد في حاجة ل(2.8) مليون طن من القمح في العام ، وتوقع أن بتجاوز الإنتاج (1.44) مليون طن من القمح بنسبة 51% من الإستهلاك الكلي ، فالمطلوب لإنتاج الخبز لوحده (2.3) مليون طن يعني ذلك أن الكميات المنتجة تحقق نسبة 63% من إحتاجات البلاد من دقيق الخبز .
بناء عليه فإن البلاد إذا في حاجة إلي إستيراد (1.36) مليون طن من القمح لتغطية العجز الكلي من إحتياج البلاد من القمح بتكلفة كلية (397) مليون دولار سنويا ، ولتحقيق الإكتفاء الذاتي حسب تلكم الأرقام أعلاها فإن البلاد في حاجة للتوسع أفقيا لزيادة المساحة الي (1.5) مليون فدان في العام ورأسيا رفع متوسط الإنتاج إلي أكثر من  (19) جوال للفدان ولا يتم ذلك وإلا بإدخال التقانات الحديثة أسوة بدول العالم المتقدمة في المجال ، وأعتقد كل ذلك ممكنا وبل أكثر ، لما تمتلكه البلاد من ميزات تفضيلية لزيادة الرقعة الزراعية بالتوسع أفقيا بالولايات المختلفة وإدخال ولايات جديدة إلي دائرة إنتاج القمح ، لا سيما وأن وزير الزراعة أكد أن معظم الولايات بما فيها الصحراوية والمرتفعة الحرارة يمكنها إنتاج قمح بنسب متفاوتة .
علي كل بناء علي تجاربنا العملية السابقة هنالك بعض الثوابت والمعطيات التي يرجي الإستفادة منها سلبا اوإيجابا ، حيث بلغ إنتاج العام الماضي (1.1) مليون طن من القمح رغم أن السعر كان لا يتجاوز (3.5) ألف جنيه للجوال ، غير أن البنك الزراعي الذي طالب المزراعين بخروجه من العملية الزراعية  ، رغم أنه بنك الحكومة وتلك هويته التخصصية ، لم يتمكن البنك الزراعي من توفير التمويل لأكثر من 30% فقط من مطلوبات التمويل للإنتاج وقتها وبذاته مؤشر يجعل قرار والي الشمالية قرارا تعسفيا مهددا لمقدرات المزارعين ، ونحن نتساءل بأي حق أو قانون أصدرت الوالي قرارات الطوارئ تلك ؟ ، ولماذا يحرم المزارع من الحصول علي أفضل الأسعار ولماذا الإحتكار ؟ .
علي العموم بناء عليه فإن القمح محصول إستراتيجي ولكنه ليس للإحتكار بل للإنتاج لتحقيق الإكتفاء الذاتي من الإستهلاك ، ولذلك أعتقد الطريقة المثلي أن تخرج الدولة نهائيا من تحديد أسعار القمح بل تتركه حسب العرض والطلب ، ولكن علي الدولة دعم المزارع بتوفير التقانات والآليات وكافة متطلبات ومدخلات الإنتاج والصناعات التحويلية بسعر مشجع معفي من الرسوم والجمارك والضرائب تشجيعا لتقليل التكلفة ، فيما تقتضي العدالة نفسها دعم الذرة أيضا وهي غذاء لأكثر من 50 % من أهل السودان أسوة بمحصول القمح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى