الخرطوم الحاكم نيوز
:: تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه)، إحدى خُطى الإصلاح الاقتصادي، ويعني عدم تدخل الحكومة عبر البنك المركزي – أو أية آلية أخرى – لتحديد سعر الدولار، وأن يكون السعر حسب العرض والطلب.. وفي الذاكرة، في نوفمبر العام 2017، عندما كان محمد عثمان الركابي وزيراً للمالية، وكان سعر الدولار (25 جنيهاً)، كاد النظام السابق أن ينفذ سياسة (تعويم الجنيه)، ولكن لم يفلح في ذلك لضعف الإرادة السياسية ولفساد مراكز القوى..!!
:: وكان بنك السودان من مراكز القوى الفاسدة في ذاك العهد، بحيث لم يدع سياسة إصلاحية إلا وأفسدها بسياسة الاحتكار، والتي لم يسلم منها حتى الذهب.. وما أن شرعت السلطات الاقتصادية في التفكير بصوت عالٍ حول ضرورة تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه)، سارع بنك السودان في تأسيس ما أسموها بآلية السوق، وكانت تحدد سعر الدولار يومياً، أي كانت تؤدي مهام بنك السودان، حتى أفشلت سياسة (تعويم الجنيه)..!!
:: والغريب في أمر تلك الآلية، فبجانب ممثلين لأجهزة الدولة الاقتصادية، كان بها أيضاً (تجار عملة)، وهذا ما لم يحدث في تاريخ حكومات دول العالم.. نعم، فالآلية التي كانت تحدد سعر الصرف، تحت رعاية وإشراف الرئيس المخلوع، كان تحالفاً ما بين البنك المركزي ومن يخربون الاقتصاد الوطني (تجار العملة)، أو هكذا بلغ توغل مراكز القوى الفاسدة في أجهزة الدولة، وكان طبيعياً أن ترث حكومة ما بعد الثورة كل هذه الديون بلا إنتاج..!!
:: واليوم.. لو لم يكن ما يحدث تحريراً كاملاً لسعر الصرف، فكأنك (يا أبوزيد ما غزيت)، أي لن ينصلح الحال.. والجدير بالانتباه – ثم التوجس – هو أن البعض أسمى ما يحدث بالتعويم الجزئي، وكذلك هناك تلميحٌ بتدخل البنك المركزي في حال تجاوز الأسعار السقف المحدد لها، وهنا مكمن الخطورة ثم العودة إلى مربع الاحتكار وإعادة إنتاج الفشل.. يجب تحرير سعر الصرف كاملاً، بحيث لا يكون لبنك السودان أو أية جهة حكومية سلطة على الأسعار..!!
:: على البنك المركزي عدم التدخل في الأسواق وأسعارها، وذلك بأن يكتفي بالرقابة والتشريع، كما تفعل البنوك المركزية في الدول ذات الاقتصاد الحر.. لقد ساهم البنك المركزي في تهريب الذهب باحتكار الشراء والتصدير، وقد يساهم في تخريب سياسة تحرير الصرف بالتدخل الجائر والخداع المسمى (تحديد السعر)، وهو السعر غير الحقيقي.. وبمنتهى الشفافية يجب أن تواجه الحكومة الشعب بالحقائق، حتى تصبح معرفة الحقائق مدخلاً نحو الإصلاح..!!
:: فالعرض والطلب – ولا شئ سواهما – هما من يحددان القيمة الحقيقية للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وهذا هو التحرير المطلوب.. تحرير الاقتصاد يساهم في الوفرة والإنتاج والمنافسة بالجودة والسعر، ولكن في حال أن يكون تحريراً حقيقياً، وليس مجرد شعار.. والمواطن لم يعد يجهل مخاطر الاحتكار، بحيث يرفض فوائد التحرير.. وبالتأكيد هناك أعراض جانبية مؤلمة للعلاج بالتحرير، ومن هنا يتواصل عرض الأعراض مع وسائل تخفيف الآلام..!!
الصيحة