الرادار – ابراهيم عربي – (السودان وFWP) … المانح والممنوح ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
أعتقد المطلوب من الحكومة الإنتقالية الوصول مع المنظمة الدولية لرؤية مشتركة (آنية ومستقبلية) تحقق من خلالها توطين الغذاء بداخل البلاد وليست مجرد (مد القرعة) لطلب مساعدات إنسانية ، بل خطة لتحويل السودان من دولة ممنوحة إلي دولة مانحة بما يتميز به من ميزات تفضيلية لتحقيق فلسفة (السودان سلة غذاء العالم) .
مع الأسف لم تتجاوز مخرجات ذلكم اللقاءين المهمين المنفصلين أمس الثلاثاء كل علي حدة بين رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي من جهة ، وبين بيزلي والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو من جهة أخري ، لم تتجاو مخرجات الإثنين معا (عقدة الدونية) لتذليل السبل التي تمكن البرنامج (FWP) من توصيل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في أنحاء البلاد المختلفة لا سيما المناطق التي تأثرت بالحرب في (دارفور والمنطقتين والشرق وغيرها) . 
المراقب يلحظ أن ديفيد بيزلي أصبح لاعبا دوليا أساسيا في الحياة السياسية ذات العلاقة بشأن إنهاء النزاعات وتحقيق الإستقرار وتوفير الغذاء ، بما يمتلكه الرجل من خبرة عملية وسياسية بصفته كان حاكماً لولاية كارولينا الأمريكية في الفترة ما بين (1995 – 1999) كما عمل بيزلي رئيسا لمركز الاستراتيجيات العالمية ، وبالنسبة لنا هو مهندس زيارة حمدوك لكاودا والتي حققت إختراقا مباشرا في شكل العلاقة مابين الحلو وحكومة الثورة بالمركز . 
كما هو أيضا مهندس الإتفاق الإطاري الذي وقعه الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء وكومرت عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية (قطاع الشمال) بأديس أبابا في الثالث من سبتمبر 2020 وعليه مشكورا ، إذ حقق به إختراقا بشأن المباحثات المتعثرة مما هيأ الأجواء ، وبل قادت لفك جمود المفاوضات التي توقفت عند عقبة علاقة الدين بالدولة وبموجبها عاد الحلو لطاولة المفاوضات بمنبر جوبا قبل أن تتباين المواقف من جديد .
فيما ظلت (FWP) تبذل جهودا مقدرة في البلاد لتحقيق إختراق بين الحلو والنظام السابق عبر (20) جولة من المفاوضات ولكنها فشلت دون إتفاق الطرفين لمرد تحديد توصيل المعينات الإنسانية  لمناطق سيطرة الحركة من الداخل أم الخارج ، فالسودان بلا شك في حاجة عاجلة لإستباب الأمن والإستقرار والتي نحسب إنها في حاجة لتضافر الجهود الداخلية والإقليمية والدولية للمضي قدما لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والممانعين (الحلو ، نور وغيرهم) لتكملة ما تبقي من مفاوضات .
أعتقد لولا تلكم الظروف والمعيقات والتي ظل السودان بموجبها محظورا جراء العقوبات الأمريكية (27) عاما مما ألقت بظلالها السالب علي حياة المجتمع ويدركها بيزلي جيدا ، إنها أثرت علي كافة البنيات التحتية بالبلاد تحول السودان بموجبها من دولة في الأصل مانحة إلي دولة ممنوحة رغم الإمكانيات والميزات التفضيلية الهائلة في باطن الأرض وظاهرها ، لما كانت أصبحت البلاد بتلكم الصورة الكئيبة .
فالسودان في حاجة لمساعدات حقيقية تعويضية لتأهيل البنيات التحتية التنموية وإستصلاح الأرض والري وميكنة وتقنيات زراعية وصناعات تحويلية تساعده لينهض بدوره وليتحول من دولة ممنوحة إلي دولة مانحة بما يمتلكه من ميزات تفضيلية وضعته علي قائمة التصنيف الدولي (السودان سلة غذاء العالم) ، وليست مجرد مساعدات غذائية أرهق بها كاهل المانحين كما درجت عليها المنظمة الدولية .
أعتقد من حق الشعب السوداني أن يطالب أمريكا بتعويضات للنهوض بمقوماته ومقدراته التي دمرتها تلكم العقوبات ،حتي يتحول شعبه إلي منتج ومانح بدلا عن تلقي الهبات وفتافت الموائد ، فالسودان دولة قادرة ومكتفية ذاتيا وبل مانحة للغذاء، وليس فقيرا بما يمتلك من مقومات تنموية من أراضي صالحة للزراعة تتجاوز مساحتها (200) مليون فدان فضلا عن المراعي والغابات ، بينما تتجاوز كميات المياه السنوية التي تصب علي أراضيه (الف) مليار متر مكعب ظلت تتسبب في تدمير ماتبقي من مقومات ومقدرات . 
ولذلك يمكن الرهان علي السودان دوليا لتوفير الغذاء العالمي ، وليتحقق ذلك لابد من مطلوبات وتضحيات كبري أصبحت ممكنة عقب رفع العقوبات والقيود الأمريكية عن السودان ، وبالتالي يستحق السودان إعفاء ديونه (56) مليار دولار التي ظلت تكبله ، لتصبح البلاد مؤهلة لتلقي القروض والمساعدات والشراكات الإقتصادية والتنموية والإستثمارية مع دول العالم ومأمول منه أن يحقق قدر من الدعم في مجال توفير الغذاء العالمي .
بلاشك إنها من المفارقات والمتناقضات أن يصبح السودان بكل هذه الإمكانات وتلكم الإمتيازات دولة تتلقي الدعم والمنح والهبات بدلا عن دولة داعمة لتصبح (سلة غذاء العالم) ، وإذ لا يمكن تحقيق ذلك دون التخطيط السليم لتحويل اللاجئين والنازحين من متلقين للدعم إلي منتجين ، ويتوقع أن تشهد البلاد تدفقات بشرية هائلة من دول الجوار الإقليمي شرقا وغربا وجنوبا في حالة الإستقرار .
فالمطلوب من (FWP) أن تساعد السودان في خطتها لكيفية حل مشكلة الأرض (الحواكير) وتحويل المواطنين في معسكرات النزوح واللجوء للإستقرار والإنتاج لتتحول من أياد ممنوحة إلي مانحة وذلك عبر إستقطاب الدعم وتحويله للموارد الحقيقية عبر الإنتاج الزراعي والحيواني والذي يعتبر نشاطا لأكثر من 90% من الشعب .
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى