الرادار – ابراهيم عربي – (غردون باشا) … تعليمات قبل الوداع ..

الخرطوم الحاكم نيوز
ربما أراد السفير البريطاني بالسودان المنتهية فترته عرفان صديق (غردون باشا) أن يحتفل بذكري تحرير الخرطوم علي يد الدراويش بطريقته التي أرادها ، ليؤكد من خلالها أن غردون باشا لم يمت وأن السودان سيعود للإستعمار من جديد تحت راية ذات (الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها) ، ولذلك جاءت كلمات غردون باشا هذا قبيل لحظات من مغادرته البلاد بمثابة تعليمات بعبارات موغلة في (الصلف والعنجهية) .
من الواضح أن عرفان صديق لم ينس أن يثأر لمقتل الحاكم غردون باشا ورفاقه من حماة الأمبراطورية الخديوية (البريطانية – التركية) الذين لحق بهم الأنصار هاربين ، لم توقفهم ترسانة المستعمر المسلحة المدججة التي حصدت ماحصدت من أرواحهم شهداء صادقين ، إلي أن تمكنوا من النيل من هؤلاء الغزاة فقطعوا رأس غردون ، وليس هو مستبسلا كما زور وحرف هؤلاء في تاريخ السودان الذي كتبوه حسب مصالحهم ، بذلك أسقط الدراويش حكم غردون وتم تحرير الخرطوم من دنس وقبضة الإستعمار البغيض الذي غرس في البلاد (سياسة فرق تسد) ، التي تركها فينا فتنة وسما زعافا إستنزافا لمقدراتنا .
ولذلك أراد عرفان صديق أن يغادر السودان بذات الأنفة الإستعمارية بعد أن أنجز المهمة الموكلة إليه ، قالها الرجل مفتخرا (كنت فخوراً بتمثيل بلدي في السودان بما لديه من إرث استعماري معقد) ، ولذلك ليس غريبا أن يحشر هذا الغردون الجديد أنفه في كل صغيرة وكبيرة ولم يجد من يوقفه عند حده (يصرف له بركاوي) علي قول الرئيس السابق البشير ، وكان هذا الغردون يعلم ويقصد ذلك بإعترافه قائلا (لقد واجهت عدد من الانتقادات بالتدخل في الشؤون الداخلية وحتى بالتصرف كإمبريالي) .
وليس ذلك فحسب بل نصب عرفان صديق نفسه حاكما للسودان (غردون باشا) في عهد الإستعمار الجديد ، ولذلك ليس مستغربا أن يصدر تعليماته حاكما قبل مغادرته البلاد ب(تعويم العملة الوطنية) وإصلاح قطاع الأمن وغيرها من التعليمات والتوصيات المؤسفة ، بالله عليكم الله ماذا تبقي لهذا الغردون من غير إعلان إستعمارنا رسميا من جديد في ظل حكومة (…) !.
بلاشك أن جميعنا يعلم دور هذا الغردون في صناعة التغيير وهو يصول ويجول في ساحة الإعتصام ممثلا بارعا يلتقي قيادات الثورة ويأكل معهم مالذ وطاب ويصرف تعليماته هنا وهناك ، قطعا لم تتوقف عند خطابه الذي كتبه بنفسه ووقع عليه حمدوك بتعليمات لدخول القوات الأممية قبل أن يكتشف أمره قبيل لحظات من تمرير الخطاب في جلسة لمجلس الامن الدولي .
علي كل أعتقد أن غردون باشا هذا قد إطمئن تماما بأن السودان الآن كما أرادوا له ، وقد حل كوهين الإسرائيلي في خرطوم اللاءات الثلاثة عزيزا مكرما والتقي قيادات البلاد وغادرها ، في عملية توزيع أدوار أعتقد متفق عليها بين المكون العسكري والمدني مثلما وقعت الأخيرة علي التطبيع تحت مسمي (الإتفاقية الإبراهيمية) بداخل مباني المستعمرة الأخري أمريكا ، غادر كوهين بوفده الرفيع الخرطوم ولازال الناس في مغالطات في مرحلة أضعف الإيمان نشجب وندين ونستنكر! .
علي كل دخل هذا الغردون الخرطوم غازيا لإزاحة نظام البشير فأوصلوا مع عملائهم البلاد لمرحلة الغليان ومن ثم الفوضي والأزمات ، كادت البلاد أن تصل لمرحلة الخيارات الصفرية مثلما يحدث في ليبيا وسوريا ، فكانت حكومة الشراكة هذه المشوهة (أخف الأضرار) ، مع الأسف يغادرها هذا الغردون اليوم بعد أن تيقن بأنهم أوصلوها لمرحلة من الضعف والهوان والسيطرة الكاملة تحت قيادة البعثة الدولية الجديدة (يونيتامس) .
يغادر عرفان صديق البلاد بعد أن تأكد أنه أنجز المهمة مقتصا لغردون باشا ، وقد نجح في إفقار الشعب (الدراويش) الذين أذلوهم وهزموا إمبراطوريتهم ، يغادرها عرفان بعد أن تأكد أن البلاد قد تكالبت عليها الأزمات وأصبحت تحت السيطرة الكاملة ، أزمة في الحكم وأزمة في الضمائر ، يغادرها بعد أن ترك الشعب في إزلال في صفوف الخدمات في ظل إنعدام كامل لمقومات الحياة ، ندرة في الدقيق والوقود والغاز وتذبذب الكهرباء وزيادة الأسعار بنسب تتفاوت مابين (500 – 900%) وقد تجاوز الدولار (300) جنيه والفقر 90% والتضخم 300%.
يغادرها عرفان صديق وهو يفتخر بإنه حقق مصالح بلاده وأنجز المهمة التي أوكلوها له في (المرحلة الانتقامية) وقد تحقق لهم ما أرادوا فعله بقوانين الشريعة الإسلامية ،  وإلغاء قوانين النظام العام والتي بسببها دخلت البلاد مرحلة الفوضي ودائرة الخطر ، حيث إنعدام الأمن المجتمعي ، كما أفسدوا علينا الإعلام فجعلوه (دسديس وغطغيط) بلا حرية وبلا شفافية ، نجح عرفان صديق في عودة عبدة الأوثان والأخلاق الفاسدة وإشاعة المجون والمحرمات ، تركنا بلاد وأمة بلا قيم وبلا ثوابت ، يغادر هذا الغردون الخرطوم وهو علي ثقة إنه  تركها في أيدي عميلة تنفذ تعليماته ووصاياه بالحرف وتحمي خططه لتحقق أهداف ووصايا الإمبراطورية .
ولذلك غادرها هذا الغردون وهو مطمئنا في ظل تلكم الإحتجاجات والمظاهرات التي عمت البلاد ، وقال إنها لا تعدو وأن تكون إلا مجرد (عملية تنفيس) مرسوم لها بخطة وعناية ، لأنها تفتقد للقاطرة التي تقود والمحرك والمخطط والمفكر والجهات الداعمة والممولة تماما كما تفتقر للهدف والخطة لأجل التغيير، ولذلك قال غردون باشا إنه يغادرها مطمئنا قائلا (أترك السودان ولكن السودان لا يتركني ، وسيبقى في أفكاري وقلبي) .
عمود الرادار … الاربعاء 27 يناير 2021 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى