السودان في العام 2020.. هل طويت صفحة الأزمات؟

رصد الحاكم نيوز
بالتأكيد سيعد العام الجاري 2020، الذي نعايش خواتيم أيامه، أحد الأعوام الاستثنائية بالنسبة للعالم أجمع، بحضور الجائحة الصحية كورونا على واجهته وآثارها العديدة على مجمل الأوضاع في العالم. لكن بالنسبة للسودان هو عام أشد خصوصية من بقية دول العالم. فقد كان السودانيون لتوهم أكملوا مفاوضات شاقة وطويلة وعايشوا أحداثًا جسام ما بعد ثورة كانون الأول/ ديسمبر المجيدة وهم يأملون تأسيس دولة تنعم بالرفاه، لكن فاجأتهم الجائحة لتضيف المزيد من التعقيد للأوضاع في السودان ولحكومته الانتقالية، التي ورثت عددًا من المشاكل الاقتصادية والإدارية من النظام المُباد، في ظل خلافات سياسية، وتباين أوجه النظر ما بين قواه الفاعلة، والتعديل والتغيير المتعاقب في الطاقم الوزاري والإداري أكثر من مرة، في فترة تجاوزت العام بالكاد.

يرصد هذا التقرير أهم الأحداث التي أثرت على حياة السودانيين طوال عام 2020

يستعرض هذا التقرير نستعرض أبرز الأزمات التي عايشها السودان خلال العام الجاري.

أزمة الخبز والوقود

تعد مشاهد صفوف الخبز والوقود في السودان أحد أبرز الصور اليومية المتكررة ذات الصلة بالوضع السياسي، حيث كانت مشاهد الصفوف أحد أبرز مبررات التغيير في السودان، ومع اندلاع شرارة ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة، كانت مشاهد صفوف المواطنين أمام المخابز ومحطات الوقود تسيطر على المشهد تمامًا، في ظل شح وندرة للسلعتين الأساسيتين، ما أدى إلى تسريع وتيرة التغيير وخروج المواطنين إلى الشوارع.

ورثت الحكومة الانتقالية هذه الأزمة، مع عدد من الملفات السياسية والاقتصادية الأخرى، وتعهدت الحكومة بحلها خلال أسابيع عبر وعدٍ جاء على لسان وزير الصناعة والتجارة، مدني عباس مدني، في كانون الثاني/يناير مطلع هذا العام، إلا أن حل الأزمة لم يكن بالأمر الهين، فحتى اليوم ما زالت بعض المناطق في السودان تشهد انعدامًا أو شحًا في سلعة الخبز، لكن يٌلحظ أنه في بعض الولايات تشهد السلعة توفرًا مع ارتفاع أسعارها، حيث يبلغ في بعض مناطق السودان سعر قطعة الخبز الواحدة عشر جنيهات، بفارق ثمان جنيهات عن السعر الرسمي.

كان للعاصمة الخرطوم النصيب الأكبر من آثار الأزمة، نسبة للكثافة السكانية العالية، وأعداد القادمين للولاية يوميًا من خارجها نسبة لتمركز معظم الحركة التجارية والخدمية فيها.

وكانت شعبة أصحاب المخابز قد نفذت إضرابًا عن العمل في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مطالبة برفع السعر الرسمي لقطعة الخبز إلى خمس جنيهات، تجنبًا للخسارة، ومراعاة للزيادات في قيمة مدخلات الإنتاج، بحسب ما أفاد وكلاء مخابز في تصريحات سابقة لـ”الترا سودان”. إلا أن حكومة الولاية رفضت تنفيذ الزيادة.

وتأمل الحكومة وضع حد لأزمة الخبز في الأيام القادمة، بعدما أعلنت عن بدء التشغيل التجريبي لمصنع “وادي النيل” للخبز، مطلع أيلول/ديسمبر الجاري، والذي يجيء ضمن التعاون والمشاريع المشتركة بين السودان ومصر، وتقدر إنتاجيته المصنع يوميًا في حدود مليون ونصف قطعة خبز يوميًا.

بالنسبة لأزمة الوقود، والتي هي أيضًا من الأزمات الموروثة من النظام البائد، فقد شهدت انفراجًا طفيفًا في الأيام الماضية، حيث استطاعت الحكومة توفير الوقود في معظم محطات الوقود في العاصمة، بعد أشهر من الشح، والذي أفرز ظاهرة “صفوف البنزين” التي ألقت بظلالها على دورة الحياة الطبيعية للمواطن، فقد زادت تعرفة المواصلات العامة ووسائل النقل الأخرى أضعافًا مع تبريرات أصحاب المركبات بتطاول الزمن المهدر في انتظار الوقود، إضافة إلى أن الحكومة نفذت رسميًا خطتها برفع الدعم عن الوقود، مصاحبًا ذلك فتح باب استيراد الوقود للقطاع الخاص، على أمل قدرة القطاع الخاص في توفير الوقود ومن ثم بيعه للحكومة بالسعر العالمي غير المدعوم.

مع أزمة شح الأدوية في العاصمة والولايات نشطت حركة تجارة الأدوية المهربة دون ترخيص من الجهات المختصة

القطاع الصحي

ككل الملفات الموروثة من النظام البائد، كانت أزمات النظام الصحي حاضرة بقوة خلال العام المنصرم، فبالإضافة إلى أزمة الجائحة العالمية، عانى القطاع الصحي العديد من الأزمات في عدد من الجوانب، بدءً بالانهيار شبه تام للقطاع ما بعد الإعلان رسميًا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في السودان في آذار/مارس الماضي، وما صاحبه من توقف عدد من المستشفيات الخاصة عن العمل، زاد من الاضطراب الجدل السياسي، والتخبط في السياسات والقرارات الإدارية، التي صاحبت تعيين وإقالة وزير الصحة السابق أكرم علي التوم.

ولاحظ السودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، تزايد حالات الوفيات منذ بدايات العام الجاري، بالذات لدى كبار السن، ما جعل بعض المدونين السودانيين يرجعون ذلك إلى الرصد غير الدقيق لحالات الإصابة بكورونا في البلاد. وهو ما يرجحه تقرير صدر مؤخرًا عن باحثين بالكلية الامبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب في لندن يقول: “(39)% من سكّان الخرطوم أصيبوا بالداء المستجد في موجته الأولى”، كما رجّح التقرير أن عدد الوفيات المعلن عنها في السودان لم تتجاوز 2% من العدد الفعلي للوفيات بسبب الجائحة.

صاحب هذه الأزمة، تماشيًا مع تدني سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، أزمة في استيراد وتوفر الدواء، متزامنًا مع الركود الذي سببته الجائحة في الاقتصاد العالمي، فارتفعت أسعار الأدوية لأكثر من الضعف، مع انعدامها في معظم الصيدليات، ما فتح الباب واسعًا أمام حركة الاتجار في الدواء بطرق غير رسمية.

يقول صاحب صيدلية بمنطقة الخرطوم بحري لـ”الترا سودان”، فضل حجب اسمه: “في ظل عدم توفر الأدوية من الشركات التجارية المعروفة والمعتمدة من وزارة الصحة وهيئاتها، وجدنا أنفسنا نقوم بتوفير بعض الأدوية عبر التجار السودانيين الذين يقومون بتهريب الدواء من مصر، ونحن نعلم أن هذه الأدوية غير مجازة من هيئات الوزارة المعنية بالأمر، لكن هي شركات معترف بها في النظام الصحي في مصر، وتمارس تصنيع وتوزيع الأدوية وفق رقابة، لكن بعض التجار العاملين في الأدوية، لا يريدون أن تدخل هذه الأدوية للسوق السودانية، خصوصًا أنها أقل سعرًا وتخلق منافسة لبعض الشركات العاملة وفقًا لمصالح كبار التجار في السوق السودانية”.

كالعديد من الأزمات، ألقت هذه الأزمة بظلالها على الجهات الإدارية ذات الاختصاص، فأصدر رئيس الوزراء، بناءً على توصية من وزير الصحة المكلف، في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، قرارًا بإعفاء د. صيدلي، عفاف شاكر الزين النحاس، على خلفية الإخفاق في ملف الأدوية، جاء القرار في ظل تكدس العديد من المواطنين لساعات طوال، أمام الصيدليات الخاصة بالإمدادات الطبية، بحثًا عن أدوية تكاد تكون معدومة في الصيدليات الخاصة، وفي حال توافرها فإنها تتوفر بأسعار باهظة للغاية.

ضربت معظم الولايات السودانية فيضانات وسيول كانت هي الأكبر والأوسع تأثيرًا منذ (100) عام

كارثة الفيضانات والسيول

وصلت مناسيب نهر النيل خريف العام الجاري في السودان، أعلى مستوى لها خلال المئة عام الأخيرة، متجاوزة المناسيب التي سجلت في سيول وفيضانات عامي 1946 و1988 الشهيرين، مما أدى إلى فيضانات غير مسبوقة، حيث لقي أكثر من مئة شخص حتفهم منذ تصاعد مناسيب النيل في أيلول/سبتمبر الماضي والأشهر التالية، كما تأثر أكثر (100) ألف منزل في (16) ولاية مختلفة بمجموع (500) ألف شخص متأثر بالفيضانات والسيول في مختلف مدن وولايات السودان، بحسب معلومات رسمية.

وحينها أعلن مجلس الأمن والدفاع حالة الطوارئ في السودان لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بنهاية العام، نسبة للأوضاع غير المسبوقة تاريخيًا، لكن تظل التصريحات والقرارات الرسمية حبرًا على ورق، مع وجود طاقم حكومي لم يصل بعد إلى التوافق والانسجام في العمل، نسبة لقِصر عمر الفترة التي قضاها في الجهاز التنفيذي.

وألقت أزمة الفيضانات والسيول بآثارها الصحية على السودان، حيث شهدت الولاية الشمالية حالات حميات بلغت حوالي (1500) إصابة توفي جراءها قرابة (70) شخصًا حتى تشرين الأول/أكتوبر المنصرم بحسب تقارير رسمية، وسط اتهامات بالتعتيم الحكومي، والإهمال من الجهات الرسمية ذات الصلة.

أطول الأعوام الدراسية

شهد العام الدراسي للطلاب السودانيين على كافة المستويات، الأساس والثانوي والجامعي، ارتباكًا مؤثرًا على مسيرتهم، ولم يكن ذلك فقط نتيجة للجائحة الصحية كورونا التي ألقت بظلالها على كل الأنظمة التعليمية وتقويمها في العالم، فمنذ اشتعال الثورة قبل عامين في السودان، توقف الزمن وتوقفت حياة السودانيين، ليكتب حدث اعتصام القيادة العامة صياغة جديدة للتقويم في السودان، لكن ما تبع الاعتصام من أحداث مجزرة القيادة والأزمات السياسية ما بين شريكي الحكم، ألقت بظلالها على التقويم الدراسي.

ولم تكد تستقر الحياة السياسية في السودان خواتيم العام 2019 بتوقيع الوثيقة الدستورية بين التحالف الحاكم والمكون العسكري، حتى أطلت كورونا بوجهها لتفرض اغلاقًا رسميًا وتوقفًا للعام الدراسي في مختلف المستويات التعليمية في البلاد، منذ آذار/مارس الماضي، لتجد الحكومة نفسها مضطرة بعد مرور أشهر في تموز/يوليو الماضي، لإنهاء الإغلاق الشامل، مع تعطل الحياة العامة وعدم الالتزام بالإغلاق، لتعود بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية للدراسة بحذر وتدرج، لكن مع الإعلان والتحذير من موجة ثانية أشد فتكًا خلال الأسابيع الماضية وجدت المؤسسات التعليمية نفسها مضطرة لمراجعة قراراتها، فانخرطت بعض المؤسسات التعليمية في أنظمة الدراسة عن بعد، فيما وجدت المؤسسات الحكومية نفسها في وضع حرج مع شح الإمكانيات بالنسبة للمؤسسات ومرتاديها.

لا ينحصر الارتباك الذي حدث في التقويم الدراسي في البلاد على المؤسسات التعليمية في حد ذاتها أو المراحل الدراسية، بل سيلقي بظلاله مستقبلًا على مجمل الفترة الزمنية بالنسبة للطالب مرتاد أي مستوى دراسي، كون أن العام الدراسي مترابط على مختلف المستويات، وترتبط كل مرحلة فيه بالأخرى، مما يتطلب تنسيقًا استثنائيًا يراعي تعقيدات الأوضاع في السودان، وما عايشه خلال العام الماضي والحالي.

مع إطلالة العام الجديد ما تزال جائحة كورونا أحد أكبر العوائق في طريق تحقيق أحلام وطموحات السودانيين بوطن ينعم بالسلام والرفاه

يستقبل السودان العام القادم 2021 وقد حقق بشكل نسبي أحد أهداف الثورة المعلنة، باستيعاب جزء مقدر من حركات الكفاح المسلح ضمن توقيع اتفاق السلام الأخير بجوبا، وهو متغير سيكون له تبعاته على مجمل الأوضاع في السودان، على أمل أن يكون العام 2021 مختلفًا على السودان الذي استقبل الذكرى الثانية لثورته على أمل أن يحقق السودانيون حلمهم بدولة الحرية والسلام والعدالة، لكن ما تزال جائحة كورونا أحد أكبر العوائق في طريق تحقيق أحلام وطموحات السودانيين بوطن ينعم بالسلام والرفاه.

محمد احمد الفاضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى