تحليل سياسى _ محمد لطيف _ الجيش والشعب .. مسيرات دق الإسفين !

صباح الخميس اولا من أمس .. خرجت باكرا عليَ أصيب بعض الرزق .. ولكن إرادة قيادة القوات المسلحة فرضت أمرا آخر.. فقد قضيت سحابة نهاري جائلا فى كيلو متر مربع .. محاولا الوصول الى مكتبي .. وفى تجوالي ذاك .. إلتقيت رهطا من الناس .. عمالا وموظفين .. مرضى وأصحاء .. شباب ومسنين .. نساءا ورجال .. طلابا وتجار .. و( حتى ضباط لابسين ملكى) .. كل يمشى على غير هدى .. بحثا عن حجة يتجاوز بها إرتكازات الجيش .. أو منافذ ينفذ منها الى حيث ينوي .. كان جليا أن مصالح قد تعطلت .. وأن بيع قد أغلقت .. ومكاتب قد هجرت .. ثم مع كل هذا لم تكن العين لتخطيء صفوف السيارات وهى تتراص على كل الشوارع .. عاجزة عن الحركة .. البطء سيد الموقف .. لا قيمة للوقت ولا تقدير ولا مراعاة لمصالح الناس التى تعطلت بسبب تعذر وصول كثير من العاملين الى مواقع اعمالهم .. وإن شئنا دقة الوصف لقلنا دونما حرج .. أن الجيش قد إحتل شرق الخرطوم .. فتعطل غربه.. أي أن العاصمة كلها كانت فى حالة من التكلس و التكدس .. ولم تكن هي المرة الأولى .. ولن تكون الأخيرة ..!
بالطبع إن إحترام القوات المسلحة .. وتقدير أدوارها الوطنية على مر الحقب هو واجب على كل مواطن .. قبل أن يكون حقا للقوات المسلحة .. لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تسقط حق الناس فى الإختلاف مع تقديرات القيادة احيانا .. صحيح للجيش حرمة وقواعد وتقاليد وإجراءات .. لا ينبغى للمدنيين أن يتدخلوا فيها .. مثل إنفتاح الجيش فى مناطق العمليات .. ولكن الصحيح ايضا . . أن إنفتاح الجيش بين شارعي الجامعة والجمهورية .. على سبيل المثال .. يغلق السبل الى مصالح هؤلاء المدنيين .. مما يجعل من حقهم أن يناقشوا أثر هذا الإنفتاح عليهم .. خاصة إذا كان ذلك فى وقت يفترض أنه .. وقت سلم وإستقرار .. وفى منطقة نشاط مدنى بكامل تفاصيله .. لقد ظل المراقبون يلحظون بوضوح أنه ما أن تعلن أية جهة أنها بصدد تنظيم مسيرة الى القيادة العامة .. أيا كانت تلك الجهة .. وأيا كانت مشروعية حقها ذاك .. إلا وتسارع قيادة القوات المسلحة لإغلاق الطرق المؤدية الى القيادة العامة .. وغنى عن القول أن تجربة الإعتصام فى ابريل 2019 وتداعياتها وما إنتهت اليه ..لا شك أنها تشكل هاجسا أمنيا مزعجا لقيادة القوات المسلحة .. والمؤكد أنها ليست على إستعداد لتكرار تلك التجربة..لا فى مستوى الحدث ولا فى تداعياته ..!
ولكن ثمة اسئلة وملاحظات تفرض نفسها على تلك الإجراءات الإحترازية التى تتخذها قيادة القوات المسلحة .. أهمها أن الإعلان عن إغلاق الطرق المؤدية الى القيادة العامة فور إعلان اي جهة رغبتها تنظيم مسيرة .. يعنى بصورة مباشرة إعترافا من قيادة القوات المسلحة بحق تلك الجهة فى تنظيم تلك المسيرة .. وهذا أمر فى حاجة لمراجعة وإعادة تقدير ..وهذا يقود لفرضية أخرى .. اليس فى وارد الإحتمال أن جهة ما تتعمد إطلاق هذه المسيرات لهدف آخر غير المعلن ..؟ فإن كان الهدف المعلن التوجه الى القيادة العامة .. فهى تعلم أنها لن تستطيع فعل ذلك .. ولكنها ستحقق هدفا آخر .. ولعله المطلوب فعلا .. وهو دفع الجيش لإغلاق الشوارع .. ليتبع ذلك التضييق على الناس .. الذى يتبعه الضيق من تلك الإجراءات .. ثم الضيق من من يقوم بتلك الأجراءات .. وهذه فى السياسة مما تسمي .. دق إسفين بين الجيش والمواطن .. !
ثم .. ثمة أسئلة تفرض نفسها .. حول مدى التنسيق الذى تقوم به قيادة القوات المسلحة مع الأجهزة الأخري .. أو تلك ذات الإختصاص .. مثل جهاز الأمن والمخابرات و قيادة الشرطة .. فإن كانت الأولى معنية بتوفير المعلومات .. وتحديد حجم الحراك المتوقع ومدى أثره وبالتالى حجم الإجراءات المطلوبة لمواجهته .. فإن الثانية .. وبها إدارة كاملة للمرور .. فهى معنية بإعادة تنظيم حركة المرور بل وتحديد الشوارع التى يمكن إغلاقها بما يضمن الحيلولة دون وقع أى إختراق .. وفى ذات الوقت ضمان عدم تأثر الخرطوم بما يعطل مصالح مواطنيها بالكامل..أو الحفاظ على ذلك فى حده الأدنى ..
وأخيرا فهذه سانحة نناشد فيها جهة الإختصاص فى قيادة القوات المسلحة للتوجيه بفتح الطرق الفرعية التى شارف إغلاقها الشهر الآن ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى