الرادار – ابراهيم عربي -(الحلو وحمدوك) … إتفاق من وراء البحار..!

قدرنا أننا في السودان فشلنا في حلحلة مشاكلنا وإدارة إختلافانتا بإحترام بعضنا البعض والقبول بالآخر ، ولذلك أصبحت بلادنا مسرحا لتدخلات لمخابرات الأجنبية وحقلا صالحا لتنفيذ الإجندات وتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية ، ولذلك جاء إتفاق المهندس (ديفيد بيزلي) مستوردا من وراء البحار وينص علي التفاوض علي (فصل الدين عن الدولة) لحل مشكلة الحرب في المنطقتين ، لا يقل خطورة عن توقيع حمدوك علي الطلب المشؤوم لوضع السودان تحت وطأة البوت الدولي .
إتفاق (الحلو وحمدوك) أو الإتفاق الإطاري أو إعلان المبادئ الذي وقعه أمس بأديس ابابا الدكتور عبد الله حمدوك بصفته رئيسا لوزراء الحكومة الإنتقالية وعبد العزيز آدم الحلو بصفته رئيسا للحركة الشعبية – شمال ، بمشاركة رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد ، إنه إتفاق إطاري تم تحت غطاء (المنتدى الاقتصادي العالمي) يمثله السيناتور ديفيد بيزلي حاكم ولاية كارولينا الجنوبية الأسبق والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي حتى العام 2017 ، ويعمل بيزلي حاليا عضوا بالمنتدي .
الإتفاق يعيد إلي الأذهان ملابسات شريان الحياة وإتفاقية نيفاشا 2005 ، إذ إتفق الطرفان علي التفاوض على دستور يحقق مبدأ (فصل الدين عن الدولة) ويحقق المساواة السياسية والإجتماعية الكاملة لجميع شعوب السودان بحماية القانون ، وإلا في غياب هذا المبدأ يجب إحترام حق تقرير المصير.
ولكن يلاحظ أن حمدوك إلتقي الحلو لوحده بصحبة بيزلي غيرما ذهب الحلو برفقة الامين العام للحركة عمار آمون الذي يقف خلفه ومستشاره الدكتور المشاكس الذي يقف خلف حمدوك عند التوقيع ، ربما جاء ذلك مواصلة لذات خطوة تدشين حمدوك تطبيق العلمانية في دولة الحلو المرتقبة بكاودا ، فلا أدري هل حصل حمدوك هذه المرة علي تفويض من قبل شركائه أم ركب رأسه كما ذهب البرهان والتقي نتنياهو في يوغندا ! .   
ربما يجد هذا الإتفاق تباينات في الرؤي مدا وجزرا وإختلافات في وجهات النظر، لاسيما من قبل المؤسسة العسكرية ، ولكنه قطعا سيجد دعما من قبل (الحمادكة) وأنصار الحلو وبعض عناصر قحت المنقسمة علي نفسها ، وربما يجد مباركة واسعة من قبل أبناء المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق)، ولكنه أيضا ربما يجد رفضا شعبيا معتبرا ، وربما صفويا ايضا مثلما وجد إتفاق (نافع وعقار الإطاري) الذي وصفوه وقتها (نيفاشا تو) ، أو نفس مصير إتفاق (الميرغني وقرنق) .
علي العموم لازالت التباينات حول (فصل الدين عن الدولة) تراوح مكانها دون الخوض في تفاصيلها في خضم بحر العلمانية الواسع والتي أصبحت مكان جدل وبحث ونقاش ومغالطات وتجاذبات وتقاطعات ، علي كل لم نعثر علي الإجابة القطعية هل المقصود (فصل الدين عن السياسة) أم (فصل الدين عن الدولة) ، ولكن مادام الإتفاق يحتكم لدستور فإنه يصبح مجرد تبادل خواطر تحكمها العملية التفاوضية عبر الطاولة ، ولكن أيضا من الواضح أن الإتفاق بين (الحلو وحمدوك) نجح في تخفيف جرعة العلمانية التي وجدت رفضا واسعا لا سيما وسط المجتمع السوداني المسلم بنسبة تتجاوز 90% من السكان . 
وبالتالي يكون لقاء (الحلو وحمدوك) قد نجح في وضع العلمانية في ثلاجة (فصل الدين عن الدولة) لأجل قيتم (دولة ديمقراطية) يمارس فيها كل فرد معتقده بحرية وأن العبادة والممارسة الدينية مكفولة لجميع المواطنين السودانيين بإعتبار أن السودان بلاد متعددة (الأثتيات والأعراق الأديان والثقافات) ، ولكن كل ذلك رهين بموافقة مؤسسات الطرفين (الحكومة والحركة) علي إعلان المبادئ للتفاوض بجوبا لحل مشكلة الحرب ، ولذلك يسري (الاتفاق المشترك) ويصبح ملزماً بعد المصادقة عليه من قبل المؤسسات المعنية من قبل الطرفين .
ولكن من الواضح أن عبد العزيز الحلو كان واضحا ومتمسكا بمخرجات مؤتمر كاودا الإستثنائي الذي جاء تحت رعايته وقبضته من الألف للياء ، لأجل تنزيل فلسفة السودان الجديد واقعا ، ولذلك قاد مستشاره الدكتور محمد يوسف تجمع المهنين باكرا من تحت عباءة الحزب الشيوعي لذات الهدف السيطرة علي تحالف الحرية والتغيير (قحت) ، وبل غادرها بسبب الإختلافات حول ذات رؤية (السودان الجديد) المبني علي ذات فلسفة عراب الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق لحكم السودان (موحدا علمانيا) ، وإلا فإن  الخيار الثاني تقرير المصير وتفكيك السودان (طوبة طوبة) كما قالها كل من الدكتور محمد جلال هاشم ومحمد يوسف .
وبذلك أصبح الحلو متحصنا بكاودا يستند علي إعتراف وحماية دولية وإقليمية وشعبية تحرسها قوة عسكرية وسلطة (دكتاتورية) قابضة من تحت عباءة (الثورية) ، ولذلك ظل الرجل متمسكا ب(تقرير المصير) من منطلق ثابت رابطا إياه بالعلمانية ، رافضا بشدة وجود (الدولة الدينية) ، ولذلك وقع عدة تحالفات علي أساس دستور السودان 1973/ 1974 وأعتقد هذا ما هدف له الحلو من إعلان المبادئ مع حمدوك الذي جاء الوفاض وبلا مقترح غير الإرتماء في أحضان الحلو موقعا علي تعليمات ماوراء البحار . 
غير أن إعلان المبادئ لم يتوقف عند هذا الحد فحسب ، بل أكد علي أن (يحتفظ سكان المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق) بوضعهم الذي يتضمن الحماية الذاتية حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من قبل أطراف النزاع والي حين تحقيق (الفصل بين الدين والدولة) ، يعني ذلك صراحة إحتفاظ الحلو بكامل قواته وحركته حاكمة (عسكريا ومدنيا) مع ممارسة المنطقتين للحكم الذاتي بصلاحيات واسعة ووقف كافة الأعمال العدائية طوال عملية السلام ، حتي يتم الإتفاق علي الترتيبات الأمنية .
ولكن أعتقد ليس من حق الحلو إملاء شروطه علي الحكومة السودانية ، مثلما وصل به الغرور ، مشترطا تغيير رئيس وفد التفاوض الحكومي الفريق اول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس السيادي بصفته قائدا لقوات الدعم السريع ، ربما فات علي الحلو أن حميدتي يجد تأييدا من قبل داعميه الإقليمين والدولين ، والرجل بذاته ضامنا لسلام قيادته (السياسية والعسكرية) في دولة جنوب السودان ، وأصبح الرجل وقواته جزء من المؤسسة العسكرية والأخيرة شريكة في الحكومة الإنتقالية وأي محاولات لنسف ذلك ستنسف العملية السلمية وبل التحول الديمقراطي بكامله وتعود البلاد للمربع الأول .
عمود الرادار … السبت الخامس من سبتمبر 2020 .

تعليق واحد

  1. مشكلة الصحفيين عندنا ما عندهم فهم هذا مجرد اتفاق على ورق حمدوك لا يملك المصادقة عليه لوحده
    بالله يا ابراهيم عربي ما تستعجل لإحلال الكوارث
    بشر ولاةتنفر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى