تأملات _ جمال عنقرة _ حلايب سودانية .. ومصر والسودان حتة واحدة

كما هو واضح من عنوان هذا المقال فهو تعليق علي بعض ما ورد في الحوار التلفزيوني الأخير الذي أجراه معي أخي الحبيب المثير للجدل الأستاذ بكري المدني في برنامجه المشهور (مثيرون للجدل) في قناة أم درمان الفضائية الإثنين الماضي، والمقال يتعلق بصفة أساسية، أو كلية بما ورد في شأن علاقتي بمصر، وأنفذ من خلاله إلى مسألة العلاقات السودانية المصرية، وعقدها الحقيقية، ولكن قبل ذلك كله، أود أن أطمئن علي الملأ كل الذين يدفعونني لكتابة ذكريات ومذكرات، وأقول لهم أني قد قطعت شوطا بعيدا في كتابي (الحصاد .. ملامح من تاريخ شعب ومسيرة أمة) وعلي الرغم من أن هذا الكتاب ليس كتاب مذكرات بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه يشتمل علي قراءات في كثير من الأحداث والمواقف المهمة في تاريخ السودان من واقع معايشة ومشاهدات، ومشاركات فاعلة، ويستعرض كذلك ملامح مدن، وسير رجال تستحق أن توثق، وهو باختصار محاولة لقراءة جديدة لتاريخ وجغرافية وأهل وناس السودان.
ما دعاني للتوقف عند المسألة السودانية المصرية، في هذا الحوار الإشارات الموحية من أكثر من شخص، فمثلا علي الرغم من أن السؤال عن علاقاتي مع رجال مخابرات مصرية أجبت عليه بسؤال كانت اشارته مفحمة، وتم تجاوزه سريعا، إلا أن الخط العريض الذي صدر به الحوار في اليوتيوب وفي مواقع التواصل الإجتماعي جاء علي النحو التالي (جمال عنقرة : نعم لدي علاقات مع رجال مخابرات مصريين) وأذكر أن الأستاذ بكري عندما سألني عن علاقاتي مع رجال مخابرات مصريين سألته (هل تعرف قناصل مصريين؟) وكانت ايماءته إيجابية، ومع ذلك جاء العنوان هكذا، وليس ذلك عندي معيب، ولكنه يكشف الطريقة التي نفكر بها، لا سيما من الجانب السوداني في شأن علاقاتنا مع أشقائنا المصريين، فعلي المستوي الشخصي تربطني علاقات عميقة جدا مع كثيرين من قيادات ورموز المخابرات المصرية، وأكثرهم، إن لم يكن كلهم قد عملوا في السودان أو في ملف السودان، ونذكر علي سبيل المثال لا الحصر، محمد عبد السلام، وعماد، ومحمود عبد الخالق، وأحمد رجب وعمر قناوي، وحاتم باشات، وأيمن بديع، ومعتز مصطفي كامل، ووائل سويلم، وحتى القنصل العام الحالي المستشار أحمد عدلي وغيرهم، وفي ذات الوقت لدي صلات قد تكون أوثق مع كثيرين من السفراء الذين عملوا في السودان، أحمد عزت عبد اللطيف، وحسين عباس مشرفة، والشربيني، وحسن جاد الحق، ورمضان الشريف، وأسامة شلتوت، والسفير الحالي حسام عيسى، وبالطبع علاقاتي كانت أوثق مع كل المستشارين الإعلاميين الذين عملوا في السودان خلال الأربعين عاما الأخيرة ابتداء من الاسكندراني أمين راتب وحتى حبيبنا الصعيدي عبد النبي عيسي، ولا أري أي غرابة في مثل هذه العلاقات لرجل مثلي يتمدد في مصر كما يتمدد في السودان، وتتداخل المصريات والسودانيات في نفسه تداخلا حد التماهي، لذلك لم أتردد في القول بأني أشجع الزمالك المصري إذا ما لعب ضد الهلال السوداني، والهلالاب يحفظون وقفتى معهم عندما لعبوا ضد الأهلي المصري في نهائي كأس أبطال أفريقيا عام 1987م.
ومن الأسئلة التى وردت في الحوار، وبطريقة مطروحة في أكثر من مكان، وعند كثيرين وتعبر عن حجم أزمة تناول قضايا البلدين والشعبين الشقيقين، السؤال عن سودانية حلايب، فلما قلت أنه لا يوجد سوداني يقول بمصرية حلايب، لم يجد أخي بكري في ذلك إجابة شافية وكافية، وأصر علي أن أقول له رأيا قاطعا، وبالطبع قلت له ما أؤمن به، وهي أن حلايب سودانية، أما لماذا لم أكثر من هذا القول في أحاديثي ومقالاتي عن سودانية حلايب، فنحن عشنا عهدا زاهرا للعلاقات السودانية المصرية، ولا نقبل بما دونه، ولذلك ننظر إلى الأمام، ونفعل مثل ما كان يفعل الكبار، وللذين لا يعلمون فعندما انفجرت قضية حلايب أول مرة في العام 1958م، بسبب تقسيم حلايب دائرة انتخابية مصرية، وصعد رئيس الوزراء السوداني السيد عبدالله بك خليل المعركة ضد مصر وحشد الجيوش، اتصل الزعماء السودانيون السيد عبد الرحمن المهدي، والسيد علي الميرغني، والزعيم اسماعيل الأزهري بالرئيس المصري الزعيم جمال عبد الناصر، وطلبوا منه وقف الانتخابات في حلايب حتى يتم حسم تبعيتها للسودان أو مصر، فلم يتردد جمال عبد الناصر لحظة، فأمر بوقف الانتخابات في حلايب، وكان قبلها قد جاءه بعض رجاله يطلبون منه حشد الجيش كما فعل السودان، فرفض، فلما أخبروه أن الجيش السوداني قد دخل حلايب قال لهم (إن شاء الله يدخل قصر عابدين) وكانت دائرة عابدين الانتخابية التى يقع فيها القصر الرئاسي قد فاز بها سوداني هو السيد علي البرير، فلقد كانت العلاقات السودانية المصرية أعمق من نزاع حول منطقة يمكن أن يحل بمليون وسيلة لو أن الناس نظروا إلى الأمام، وهذا ما نفعله، ونتطلع إليه، وفي ذهني العهد الزاهر للعلاقات السودانية المصرية كما ذكرت، عندما كان عدد الطلاب السودانيين في مصر أكثر من عددهم في السودان، عندما كنا ندفع خمسة جنيهات فقط رسوم تجسيل في الجامعات المصرية، ويدفع كل أشقائنا من كل الدول العربية الأخري أربعة ألف جنيه إسترليني، وعندما كان عدد الطلاب في جامعة القاهرة فرع الخرطوم أضعاف عددهم في جامعة الخرطوم، عندما كان السفر بين البلدين ببطاقة وادي النيل، وعندما كان التحويل بالدولار الحسابي، فهذا عهد نرجو ونعمل من أجل أن يصير الحال إلى أفضل منه، ويصير السودان ومصر حتة واحدة بإذن الله الواحد الأحد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى