حين يتكلم الشارع.. السودان يكتب عهده بالنار والوعي

الحاكم نيوز :

 

كلام سياسة الصافي سالم

 

لم تكن هذه الحشود الهادرة التي خرجت اليوم السبت في جميع ربوع السودان مجرّد مشهد عابر في سياق الأحداث، ولا انفجاراً عاطفياً مؤقتاً؛ بل كانت خطاباً وطنياً مكتمل الأركان، كُتب بالأقدام التي سارت، وبالحناجر التي هتفت، وبالقلوب التي لم تعرف التراجع. خروج الرجال والنساء، والشباب وحتى الأطفال، يؤكد أن هذا الشعب، رغم النزف والحصار، ما زال يمتلك قدرة مدهشة على الاصطفاف حين تُهدَّد الدولة ويُستهدف المصير. من مكركا إلى التكينة، ومن الحوش إلى المناقل، ومن القضارف إلى ود النورة، ومن القريقريب والجبل والفاو، إلى كردفان والجزيرة اسلانج، ومن الخرطوم إلى كسلا، ومن المتمة إلى سنار، ومن الشمالية إلى الأبيض، في البر والبحر.

1765624873206

كان المشهد واحداً والرسالة واحدة: السودان حاضر، وشعبه لم يغادر المعركة، ولم يسلّم رايته لليأس.هذا الزخم الشعبي الكاسح ينسف أي رواية تحاول تصوير الجيش معزولاً أو منفصلاً عن حاضنته. فالجيش هنا لا يقاتل منفرداً، بل يتكئ على خزان وطني عريض، يمتد من المدن إلى القرى والفرقان، ومن الهامش إلى المركز، دون فرزٍ أو استثناء.

1765624840565

إنه التحام نادر بين البندقية والإرادة الشعبية، حيث تتحول المقاومة الشعبية من حالة وجدانية إلى فعل وطني منظم، يعبّر عن وعي جمعي بخطورة المرحلة ودقة المنعطف.إن هذا الاصطفاف لا يحمل نزعة انتقام، ولا شهوة دم، بل يستند إلى منطق الدولة وضرورة بقائها. فالمعركة، كما تقول هذه الحشود، ليست ضد أشخاص، بل ضد مشروع فوضوي يستهدف وحدة الأرض، ويهدد معنى الوطن ذاته. ومن هنا، فإن دعم الجيش والقيادة ليس تفويضاً أعمى، بل تعاقد وطني على حماية السودان من التفتيت والانكسار.ماذا تقول هذه الحشود الهادرة؟تقول إن السودان لم يُهزم.تقول إن الشعب سبق النخب مرة أخرى، وقرأ الخطر بوضوح.

تقول إن الجبهة الداخلية، مهما حاولوا إنهاكها، قادرة على التماسك وإعادة ترتيب صفوفها.وتقول، قبل كل شيء، إن هذه البلاد تمتلك من الوعي ما يجعلها عصيّة على السقوط، ومن القوة ما يكفي لإفشال كل مشاريع العبث.إنها لحظة تأسيس جديدة، يُعاد فيها تعريف الوطنية بوصفها فعلاً لا شعاراً، واصطفافاً لا مزايدة، ومسؤولية لا خطابة. لحظة تمضي بالسودان، رغم الألم، نحو أفق الدولة الآمنة، الموحدة، التي لا تُكسر إرادتها، ولا تُختطف بوصلتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى