أخر الأخبار

امل ابو القاسم تكتب : في حضرة الخارجية المصرية

 

في العاصمة الإدارية الجديدة، وتحت قبة وزارة الخارجية المصرية، التأم ظهر أمس لقاء جمع مساعد وزير الخارجية المصري ومسؤول ملف السودان السفير ياسر سرور، برفقة الوزير المفوض كريم مختار نائب مدير إدارة السودان وجنوب السودان، مع نخبة من الإعلاميين السودانيين.

دار اللقاء حول مجمل القضايا المشتركة بين البلدين، وتحديداً ما يهم السودان ودور مصر في محيطه الإقليمي. وكما فُتحت قاعات الوزارة للوفد السوداني، فُتحت صدور السادة السفراء مرحبة بالأسئلة، التي جاء بعضها مباشراً وحاداً، فتلقّوها بصبر وردّوا عليها بديبلوماسية.

كانت محاور النقاش واسعة، وعكست شواغل الشارع السوداني وهواجسه تجاه بعض التصريحات السياسية. وهو ما أكّد عليه الحضور، انطلاقاً من عمق الروابط بين البلدين، ولأن مصر كانت وما زالت عضداً وسنداً للسودان في كل منعطف.

من أبرز تلك الهواجس مشاركة مصر في الرباعية، وهو أمر يمكن تفهّمه، لكن كثافة تكرار وزير الخارجية المصري لهذا الملف – حتى بات ينافس السيد مسعد بولس كما يقول الشارع – أثارت قدراً من اللبس. وقد سبق أن نُقلت هذه المخاوف لسفير السودان بالقاهرة الفريق م. عماد الدين عدوي عقب اجتياح المليشيا لمدينة الفاشر وما تبعه من جرائم موثقة. وتمحورت الأسئلة حينها حول الدور المصري في الرباعية، والتصريحات المتكررة لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، خاصة وأن السلطات السودانية والسواد الأعظم من الشعب يبدون تحفظاً واسعاً تجاه الهدنة المطروحة، فضلاً عن وجود دولة الإمارات – الراعي الأبرز للحرب – كطرف في المبادرة.

كما نُقل للسادة السفراء القلق الذي أثارته تصريحات وزير الخارجية المصري بشأن توفير ملاذات آمنة لأهل دارفور بإشراف جهة محايدة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول دلالاته، لا سيما أنه صادر من القاهرة. وبصورة عامة، عُرض على الوفد ما يتردد بشأن أن مصر باتت تتعامل بحذر مع التطورات في السودان.

ورغم أن هذه التساؤلات كانت مباشرة وصريحة، وربما أثارت دهشة السفير ياسر سرور، إلا أن طرحها كان ضرورياً لإزالة الغشاوة وطمأنة الشارع السوداني.

وقد أوضح السفير سرور أن المقصود بـ الملاذات الآمنة هو مناطق مخصصة للنازحين توفر لهم الحماية من الاعتداءات، على أن يتم إدارتها بالتنسيق الكامل مع الحكومة السودانية.

وبخصوص الرباعية، جدد التأكيد على أن مصر تقف – رسمياً وشعبياً – إلى جانب السودان وتدعمه انطلاقاً من العلاقات الأخوية بين البلدين، وأن انخراطها في المبادرات الدولية هدفه حماية مؤسسات الدولة السودانية دون المساس بوحدة السودان أو فرض أي حلول عليه. وأضاف أن ارتباط السودان بالأمن القومي المصري يجعل استقراره مسألة حاسمة لمصر والمنطقة ككل، وأن موقف القاهرة يتطور وفق المستجدات مع ثبات مبدئها الراسخ تجاه وحدة السودان.

كما طُرحت خلال اللقاء جملة من القضايا الإنسانية، من بينها أوضاع الطلاب السودانيين في الجامعات المصرية، وطلاب المرحلة الثانوية العامة الذين يدرسون في المدارس المصرية ويعاملون معاملة الطلاب الأجانب من حيث الرسوم، رغم كونهم طلاباً لاجئين بعد الحرب. ومطالبة الحكومة المصرية النظر في تخفيف الرسوم الجامعية التي تُدفع كاملة بنسبة 100%، إضافة إلى إجراءات الإقامة. كما طُرح ملف الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب الذي صاحب الحرب وتمت ولادتهم في مصر، وإمكانية معالجة أوضاعهم القانونية والإنسانية، وهي نقطة بدا واضحاً أنها لامست وجدان السفير ياسر سرور فأولاها اهتماماً خاصاً. كذلك نُوقشت أوضاع القُصّر المحتجزين في السجون المصرية وضرورة إيجاد حلول إنسانية لهم. وقد وعد السادة المسؤولون برفع كل هذه الملفات للجهات المعنية للنظر فيها.

واختُتم اللقاء بتكريم عدد من الشخصيات الدبلوماسية من قِبل رابطة الصحافة الإلكترونية – الجهة التي نسقت ونظّمت اللقاء – وعلى رأسهم وزير الخارجية بدر عبد العاطي، ومساعده السفير ياسر سرور، وسفير مصر في السودان الإنسان هاني صلاح الذي نال إشادة لافتة من الحضور، وتمنى البعض تمديد فترة عمله لِما وجده من قبول واسع في السودان.

كان اللقاء مساحة حقيقية للحوار الصريح، حملت خلالها الأقلام السودانية هموم الناس وأسئلتهم دون تردد، ووجدت في الجانب المصري آذاناً صاغية ونية واضحة للتعاون. ما خرج به الوفد لم يكن مجرد معلومات، بل تأكيد على أن العلاقات بين الشعبين أعمق من السياسة، وأن ما يوحّدهما أكبر من كل طارئ.

ومهما تعقّدت الظروف التي يمر بها السودان، يبقى الحوار الجاد والاحترام المتبادل طريقاً نحو تفاهمات تحفظ المصالح المشتركة وتدعم استقرار البلدين.

ختاماً، نُسجّل تقديرنا لوزارة الخارجية المصرية على فتح أبوابها لهذا اللقاء الثرّ، ولرابطة الصحافة الإلكترونية على حسن التنظيم، ولجميع من منحوا هذا الحوار قيمته.
ويبقى الرجاء أن تجد كل القضايا التي طُرحت طريقها إلى التنفيذ، لأن انعكاساتها تمس حياة سودانيين يبحثون عن الأمان والعدالة والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى