
adilalfaki@hotmail.com
• تدنت قيمة العملة السودانية بسبب المضاربات.
. السياسات ستنجح لأنها استهدفت أهم مورد من موارد النقد الأجنبي وهو الذهب.
. التنسيق وتبادل المعلومات ما بين بنك السودان والوزارات والمؤسسات والهيئات الاقتصادية المعنية هو أساس النجاح.
منذ بداية هذا العام أخذت العملة السودانية في التدهور، لتصل قيمة متدنية جداً أمام العملات الأجنبية الأخرى وعلى رأسها الدولار.
الدراسة الاقتصادية القيمة التي قام بها البروفيسور إبراهيم أونور أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم أثبتت أن المضاربات في العملة أثرت بنسبة 55% على قيمة العملة بعد الحرب مقارنة بنسبة 16% فقط قبل الحرب.
السياسات الاقتصادية التي أعلنت عنها لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة البروفسور كامل الطيب ادريس رئيس مجلس السيادة يتوقع لها النجاح، لأنها استهدفت السيطرة على حركة وتجارة الذهب وهو أهم مورد اقتصادي للنقد الأجنبي للسودان في الوقت الحالي.
معلوم أن منتج الذهب مملوك للمعدنين الأهليين بنسبة 80% و 20% لشركات الامتياز. تجبي الحكومة من الذهب العوائد الجليلة، وتلزم المصدرين بالدفع المقدم للقيمة الدولارية لصادر الذهب قبل تصديره، يقدر أن 50% من الذهب المنتج بالسودان يخرج منه عن طريق التهريب، وبالرغم من هذا ساهم الذهب لوحده بنسبة 48% من عائدات الصادرات بقيمة تجاوزت 2 مليار دولار.
القرارات الأخيرة للجنة الطوارئ الاقتصادية ركزت على الذهب، حيث صدر القرار بأن تتولى المتاجرة فيه بما في ذلك تصديره جهة حكومية واحدة، شعبة مصدري الذهب هاجمت هذه القرارات وقالت انها تشكل كارثة اقتصادية لأنها ستزيد من عمليات تهريب الذهب، وستزيد من حجم الفساد في القطاع لأنها سوف تركز المتاجرة في الذهب لدى فئة محدودة، وأن ذات التجربة فشلت في السودان في وقت سابق.
الحقيقة ان ما سيطبق هذه المرة مختلف عن المرات السابقة، إننا الآن في ظل حكومة موحدة ذات إرادة واحدة قادرة على إنفاذ قراراتها، على عكس السنوات الماضية حيث كنا نرزح في ظل حكومة مشتتة الرؤى والأهداف، تسيطر على أهم مفاصلها الاقتصادية شركات ومؤسسات مليشيا الدعم السريع، حيث حرصت هذه المليشيا على التغلغل في مؤسسات الدولة الحساسة حماية لمصالحها.
في آخر التجارب كانت هناك شركة (سبيكة) التي تعمل لمصلحة الحكومة، ممثلة في وزارة المالية وبنك السودان، وبالمقابل كانت هناك شركة (الجنيد) التي تعمل لصالح الدعم السريع والتي مارست عمليات الفساد والافساد على كافة الأصعدة. في التجربة الجديدة يجب الحرص على انتقاء العناصر الكفؤة الأمينة للعمل في الجهة الحكومية التي سوف يعهد اليها العمل في مجال الذهب.
أما فيما يتعلق بالتهريب فإن 80% من الذهب ينتج في الوقت الحالي في ثلاث ولايات هي البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، بما يعني أن هناك إمكانية للحد من التهريب بالوسائل الأمنية بصورة معقولة، لكن الأهم من ذلك الحد من التهريب بالسياسات الاقتصادية عن طريق الحرص على منح منتجي الذهب استحقاقاتهم المالية بالسعر الحقيقي للذهب، حسب البورصات العالمية، وبسعر الدولار بالسوق الموازي داخل السودان. بالتالي سوف تكون المخاطرة بالتهريب لا معنى لها ما دام المنتج أو التاجر سيجد السعر المجزي في مراكز ونقاط استلام الذهب التي سيتم انشاؤها.
ان القرار القاضي بضرورة أن تكون أي كمية من الذهب متحركة ما بين الولايات مرفقة بمستند رسمي خطوة ضرورية لمحاصرة التهريب من جهة، ولخدمة هدف استراتيجي مهم للغاية هو إثبات أن دولة الامارات تتعامل في ذهب لم يتم الحصول عليه بصورة مشروعة، وذلك في حالة تهريب هذا الذهب لدولة تشاد وترحيله من هناك الى الامارات.
ان القواعد الأساسية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتي وقعت عليها دولة الامارات تلزمها بأن تحدد مصدر الذهب القادم اليها، ومعلوم تماماً لدى الهيئات الدولية التي تتعامل في الذهب القدرات الإنتاجية لدولة تشاد في مجال الذهب، بالتالي أي زيادة محسوسة عن هذه القدرات معناها أن الذهب مهرب من السودان.
ندعو للشروع الفوري في تنفيذ قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية، ونقترح لاحتكار تجارة وتصدير الذهب تكوين شركة مساهمة عامة مملوكة لوزارة المالية وبنك السودان ووزارة المعادن كبداية، وتفتح لاحقاً لمساهمين آخرين من القطاع الخاص، على أن تبقى الحصة الأكبر دائماً لدى الحكومة (51% فأكثر). تدار الشركة بأعلى معايير الشفافية والجودة والحوكمة الدولية.
ندعو كذلك لتفعيل المنصة الرقمية لتبادل المعلومات ما بين الشركة المعنية ووزارة المالية وبنك السودان ووزارة التجارة والصناعة وهيئة المواصفات والأمن الاقتصادي والبنوك التجارية، لتكتمل حلقة توفير موارد النقد الأجنبي للمستوردين، الذين ترخص لهم وزارة التجارة والصناعة بالاستيراد، وفقاً لتوصيات ومصادقة الجهات المختصة، مثل الحصول على موافقة ومصادقة وزارة البترول في حالة استيراد مواد بترولية مثلاً.
سؤال مهم ربما يدور بذهن القارئ الآن، إذا كانت الجهة المكلفة باحتكار الاتجار في الذهب وتصديره ستسلم المنتج أو التاجر قيمة ذهبه بسعر السوق الجاري (الأسود) للدولار، حسب البورصة العالمية، فكيف ستتمكن الحكومة من السيطرة على هذا السباق؟ لأن السوق الأسود لن يتوقف من أجل خاطر الحكومة.
الإجابة: بالفعل ستكون البداية بسعر السوق الأسود، وعندما يتكون لدى بنك السودان احتياطي مناسب من الذهب، من خلال عمليات الشراء من المنتجين، سوف يتمكن من التدخل لتعديل سعر الصرف والنزول به للمدى الذي يناسب العرض والطلب الحقيقي للعملة الأجنبية للأغراض الشرعية وليس للمضاربات. وبهذا يحدث الاستقرار للعملة السودانية. علما بأنه سوف يتم خلال الأيام القليلة القادمة وصول وديعة دولارية مقدرة من دولة صديقة سوف تمكن من تفعيل قرار احتكار التجارة في الذهب لدى الحكومة بصورة فعالة وسريعة. والله الموفق.