أخر الأخبار

خبر وتحليل – عمار العركي – السودان وتركيا … شراكة فعليـة، وتفاهمـات مصريـة

_الخبـــر:_
* في تطور لافت على الساحة الدبلوماسية السودانية، زار السفير التركي فاتح يلدز العاصمة القومية المحررة الخرطوم، متفقداً مقرات ومشاريع السفارة، ومبدياً اهتمام بلاده بالمساهمة في إعادة إعمارها. الزيارة جاءت بعد أيام من تغريدة قوية للسفير على منصة X حول الأوضاع في الفاشر، دعا فيها إلى تحرك عاجل لإنقاذ الوضع الإنساني، في موقف لقي إشادة في أوساط سودانية، خصوصاً مع صمت أغلب البعثات الدبلوماسية الأخرى.
* مصادر دبلوماسية في الخرطوم أكدت أن تحركات السفير التركي الأخيرة تأتي ضمن خطة أوسع لتعزيز العلاقات السودانية التركية، تشمل المساهمة في الإغاثة الإنسانية بالفاشر، والمشاركة في إعادة إعمار الخرطوم، مع استعداد تركي لتوظيف خبراتها في البنية التحتية، والكهرباء، والتعليم، والصحة.
_التــحليــل_
* في الوقت الذي يزدحم فيه المشهد السوداني بالأزمات الداخلية والتجاذبات الدولية، يطل الحضور التركي من نافذتين متباينتين، لكنهما متكاملتان: نافذة الموقف الإنساني الصريح كما في تغريدة السفير فاتح يلدز عن الفاشر، ونافذة الوجود الميداني الجريء كما في زيارته للخرطوم لتفقد مقرات السفارة ومؤسساتها.
* هذه الخطوات، رغم بساطتها الظاهرية، تحمل دلالات سياسية واستراتيجية مهمة، فهي تقول بلغة غير مباشرة: “تركيا ترى نفسها جزءاً من معادلة ما بعد الحرب في السودان”. لكن، هل يكتفي السودان باستقبال هذه المبادرات الرمزية؟ أم يمكن أن تتحول إلى شراكة عملية تعيد تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية بين البلدين؟
_خلفية العلاقات السودانية – التركية_
* العلاقات بين الخرطوم وأنقرة ضاربة في التاريخ، تعود جذورها إلى الحقبة العثمانية، ومرّت بمحطات تعاون لافتة خاصة خلال العقدين الأخيرين، شملت مشاريع في البنية التحتية، الزراعة، التعليم، والصحة. ورغم تعثر بعضها بسبب التحولات السياسية في السودان، حافظت تركيا على حضورها من خلال النشاطات الإنسانية ومؤسساتها مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا”.
_الحضور التركي في إفريقيا والقرن الإفريقي خاصة_
* تستند الاستراتيجية التركية في إفريقيا إلى ثلاثة محاور رئيسية: القوة الناعمة عبر المساعدات الإنسانية، القوة الاقتصادية من خلال الاستثمارات والتجارة، والقوة الصلبة عبر التعاون الأمني والعسكري. في القرن الإفريقي، تعزز أنقرة وجودها من خلال القاعدة العسكرية في مقديشو، ومشاريع الموانئ، والمبادرات الدبلوماسية المتعددة.
* يُعد السودان محورًا جغرافيًا واستراتيجياً فريداً يربط البحر الأحمر بعمق إفريقيا، وهذا ما يجعل له أهمية خاصة في منظومة النفوذ التركي الإقليمي.
* ورغم النجاحات التي حققتها أنقرة، فإنها تواجه تحديات كبيرة تتمثل في المنافسة الإقليمية، لا سيما من الإمارات ومصر، وضغوط التحالفات الدولية، فضلاً عن تقلبات الأوضاع الداخلية في دول المنطقة. ومع ذلك، حافظت تركيا على مرونتها، مستفيدة من قدرتها على الجمع بين الأدوات الناعمة والصلبة، ما جعلها لاعباً يحسب له حساب في معادلة النفوذ بالقرن الإفريقي.
_من المبادرات الرمزية إلى الفعل الميداني_
* الخطوات التركية الأخيرة في السودان – من المواقف الإنسانية العلنية كتغريدة السفير عن الفاشر إلى التحركات الميدانية الجريئة في الخرطوم – تشكل بداية منصة عمل أوسع يمكن البناء عليها بذكاء وتحويلها إلى شراكة عملية.
* بدلاً من الاكتفاء بالزيارات الرمزية أو التصريحات الإعلامية، يمكن أن يشمل البرنامج التركي المتكامل إطلاق مبادرات إنسانية عاجلة في الفاشر، والمساهمة في إعادة إعمار مقرات السفارة ومشاريعها كرمز لبداية الإعمار، إضافة إلى فتح قنوات حوار ثلاثية مع مصر لتبديد المخاوف وضمان أن الدور التركي في السودان يعزز الأمن الإقليمي ولا يشكل تهديداً لمصالح القاهرة.
_البعد المصري… السودان كجسر للتقارب_
* لا يمكن إغفال الدور الحساس للحليف الاستراتيجي مصر الذي يتسم بالتخوف من تقارب تركي سوداني قد يعيد رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر والمنطقة. لكن المستجدات الأخيرة على مستوى العلاقات التركية–المصرية تعطي مؤشراً إيجابياً على إمكانية تجاوز هذه المخاوف.
* ففي مؤتمر صحفي بالقاهرة السبت 9 أغسطس الجارى، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى جانب نظيره المصري، أن أنقرة والقاهرة تريدان رؤية شرق المتوسط منطقة استقرار وازدهار تُحترم فيها المصالح المشروعة لجميع الأطراف. وأوضح أن البلدين يعملان معاً في قضايا المنطقة وإفريقيا، بما فيها السودان، مشيراً إلى وجود “وجهات نظر متطابقة إلى حد كبير” بين الجانبين حول ضرورة إنهاء الصراعات في السودان وإحلال السلام في القرن الإفريقي.
* هذه التصريحات تعزز من فرضية أن السودان يمكن أن يلعب دور الجسر الإيجابي بين تركيا ومصر، عبر صياغة شراكات ثلاثية في مجالات إعادة الإعمار، الإغاثة الإنسانية، وتأمين البحر الأحمر، بما يحوّل التقارب من مصدر ريبة إلى فرصة استراتيجية لكل الأطراف.
_خلاصة القول ومنتهاه :_
* اللحظة مناسبة، والفرصة متاحة، وما على الخرطوم سوى المبادرة بخطوات عملية وميدانية تترجم هذه الرؤية إلى واقع ملموس. تركيا بدورها أظهرت رغبة واضحة في الانخراط الإيجابي، وعلى السودان أن يستثمر هذه الديناميكية لصالح إعادة بناء اقتصاده وتعزيز أمنه الإقليمي، مع خلق جسر تفاهم مع مصر يضمن استقرار المنطقة بأكملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى