
د. عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
العقوبات الاقتصادية الأمريكية المرتقبة تقتضي من السودان توجهاً اقتصادياً يركز على الموارد المحلية، والتعاون مع الصين وروسيا والدول التي تعترف بالشرعية السودانية
لن تحقق العقوبات أهدافها إذا ما عقد السودان شراكات استراتيجية وفق مبدأ المصلحة المشتركة
الصين هي الاقتصاد الثاني عالمياً وروسيا السادس، ويوصى بعقد شراكات استراتيجية معهما.
أعلنت الإدارة الامريكية أنها بصدد توقيع عقوبات اقتصادية على السودان تتضمن حظر الصادرات الأمريكية اليه، وإيقاف أو تعطيل خطوط الائتمان الأمريكية مع مؤسساته الاقتصادية، وذلك بحجة أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيماوية في حربه ضد مليشيا الدعم السريع.
بالطبع فإن الاتهام غير صحيح ولا يستند على أي أدلة، والهدف منه سياسي بحت هو عرقلة مسار التطور السياسي بالسودان بعد تعيين رئيس وزراء مدني، والشروع في تشكيل وزارة من التكنوقراط تمهد لعودة السودان للاتحاد الافريقي، وتطبع علاقاته مع مؤسسات التمويل الدولية.
في حالة تنفيذ الإدارة الأمريكية لتهديدها بفرض العقوبات الاقتصادية فإن هذا سوف يترتب عليه فرملة مسار إعفاء الديون، وإيقاف القروض والمعونات من مؤسسات برايتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الافريقي للتنمية …الخ) الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، بالقوة التصويتية. إن هذا يستدعي إرادة وطنية قوية للتخطيط لمسار مختلف للاقتصاد السوداني خصوصاً على صعيد العلاقات الاقتصادية الخارجية.
المسار الجديد المقترح ينبغي أن يقوم في تقديرنا على ثلاث شعب، الأولى: حشد الموارد الداخلية، ويتم هنا الاستهداء بالتجربة البرازيلية على عهد الولاية الأولى للرئيس دي سيلفا، حيث منح رجال الأعمال البرازيليين الوطنيين ما يرغبون من أراضي زراعية خصبة واعفاءات وحماية، مقابل ضرائب عالية يتم الالتزام بها من قبلهم، لقد حقق الاقتصاد البرازيلي قفزات هائلة بهذه السياسة خلال فترة قصيرة، إن لدينا رجال أعمال سودانيين شرفاء على استعداد لتنفيذ خطة مثل هذه.
الشعبة الثانية في المسار الاقتصادي الجديد تتمثل في الاستفادة من القروض التفضيلية التي تقدمها الصين، والانخراط في مبادرة الحزام والطريق الصينية، على أساس مبدأ كاسب/ كاسب. الصين هي أكبر اقتصاد عالمي على وجه البسيطة، بناتج محلي اجمالي بالقوة الشرائية يبلغ 25.7 ترليون دولار، وذلك حسب موقع حقائق العالم CIA Factbook الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمتاح على شبكة الانترنت. الصينيون يعترضون على التصنيف الأمريكي ويقولون إنهم الاقتصاد الثاني بعد الولايات المتحدة وليسوا الاقتصاد الأول! تفسير ذلك هو رغبة الولايات المتحدة في أن تكون قيمة اليوان الصيني مقابل العملات الأجنبية الأخرى أقوى من القيمة التي تفرضها حالياً السلطات الصينية، وهي القيمة التي تتيح للسلع الصينية غزو الأسواق الامريكية لرخص أثمانها مع الجودة.
يشار الى أنه وخلال العام 2013 وافقت جمهورية الصين الشعبية على مقترح السودان بفتح حساب خاص لحكومة السودان باليوان الصيني لدى البنوك الصينية، بما يتيح استخدام اليوان في التبادل التجاري معها بدلاً عن الدولار والعملات الدولية الأخرى. تستخدم الصين الآن مع العديد من الدول نظام التحويلات المالية الصيني وهو نظام “سي إيه بي إس” (CIPS)، وهو نظام دفع بين البنوك عبر الحدود يقوم بتسوية المعاملات الدولية باليوان الصيني، ويشرف عليه بنك الشعب الصيني كبديل عن نظام السويفت، وأصبح حوالي 35% من حجم التجارة العالمية يمر عبر هذا النظام.
الآن تتاح فرصة هائلة لتنفيذ استخدام اليوان الصيني في التبادل التجاري مع الصين، وسوف يساعد هذا التنفيذ في التخفيف من حدة الضغوط على بنك السودان الذي يعاني الأمرين الآن في توفير العملات الأجنبية للمستوردات، لعدم توفر احتياطات كافية لديه.
الشعبة الثالثة في المسار الجديد تتمثل في التعاون الثنائي على مبدأ كاسب/ كاسب أيضاً مع الدول التي تقف مع المؤسسات الشرعية في السودان، ومع دول البريكس، وتشمل هذه الدول روسيا، قطر، تركيا، إيران، مصر، بالإضافة لدول البريكس الأخرى: الهند والبرازيل وجنوب افريقيا.
وفي هذه المجموعة تعتبر روسيا بالذات دولة عظمى اقتصادياً حيث يبلغ الناتج المحلي لها 4.027 تريليون دولار في المرتبة السادسة دولياً، لقد وقع السودان مع روسيا في فترات سابقة اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة، كان أبرزها في مجال تقنية تحويل الغازات البترولية لمواد بترولية سائلة، وهي تقنية روسية فريدة يمكن أن تمثل إضافة مهمة للإنتاج البترولي السوداني. ثم اتفاقية في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى، واتفاقية حول التخريط الجوي في البر وفي البحر، واتفاق حول استجلاب مخبز وتقنية لإنتاج الخبز من دقيق خليط بين القمح والذرة.
طلبت روسيا من السودان توفير منفذ امداد لوجستي لسفنها التي تمخر عباب البحر الأحمر، وقد وافق السودان مبدئياً على الطلب كحق سيادي للدولة السودانية تملك التقرير فيه منفردة. على السودان السعي لتحقيق أكبر مصلحة له، من خلال الاستجابة للطلب الروسي، على قاعدة كاسب/ كاسب التي تحكم العلاقات بين الدول.
ويُقترح أيضاً منح الشركات المصرية الكبرى ورجال الأعمال الكبار في مصر جزءً مقدراً من مشروعات إعادة الإعمار في السودان. بالنظر لخبرة الشركات المصرية بالعمل في السودان.
بإذن الله لن ينحني السودان للضغوط الأمريكية الظالمة، وسوف يظل شامخاً بصمود قواته المسلحة والقوات المساندة لها، وبقوة اقتصاده الكامن الذي سوف يتفجر بمساعدة الأصدقاء الحقيقيين. والله الموفق.