
في الوقت الذي تحترق فيه حواضر وقرى دارفور كما حدث من قبل في الخرطوم والجزيرة وسنار، وتُسحق فيه الأجساد تحت سيارات المليشيات، ويُغتصب النساء وتُنهب القرى وتُباد الأسر، يخرج علينا “حمدوك” ليحدثنا عن “الانقسام”، و”مصلحة الشعب”، و”عدم اهتمامه بشعبيته” ، ياله من توقيت عظيم لتلك الكلمات الفارغة!.
عبارة حمدوك أن “الحرب خلقت حالة من الانقسام بين السودانيين”، تضع الجميع في خانة واحدة. وكأن هذه الحرب نزلت من السماء، بلا جهة بادئة، بلا مليشيا، بلا جريمة.
لكن الحقيقة واضحة: الحرب بدأت حين هاجمت مليشيا الدعم السريع الخرطوم فجر 15 أبريل، واحتلت البيوت، واغتصبت النساء، وقتلت الأطفال، وأشعلت نيران الموت الجماعي.
ومع ذلك، لم يُسمع من عبد الله حمدوك كلمة إدانة واحدة، لا ضد حميدتي، ولا ضد الدعم السريع، ولا ضد المجازر. بل على العكس، ذهب ومن معها من “مليشيات سياسية” ليمثّل هذه المليشيا في المحافل الدولية! ويضع مساحيق التنظيف على أيادي ملطخة بدماء السودان والسوداني.
فأين الانقسام؟ ، الانقسام الحقيقي اليوم بين القاتل والضحية، بين الشعب الأعزل والمليشيات!
“لا أهتم إن تراجعت شعبيتي”، قالها حمدوك وكأنه نبيّ فوق النقد. لكن الواقع يُظهر عكس ذلك تمامًا. فهو لا يصمت عن جرائم الدعم السريع لوجه الله، بل ليحافظ على تموضعه الدولي كنموذج للمدنية المنضبطة، القابلة للتعايش حتى مع القتلة. هذا ليس موقفاً نبيلاً، بل تواطؤ مقنّع.
أن تكون غير مهتم بشعبيتك لا يعني أن تفقد إنسانيتك. أن تكون مدنياً، لا يعني أن تكون محايداً في وجه الإبادة. حين يتحدث حمدوك عن “مصلحة الشعب”، يخطر ببالنا مشهد سكان الفاشر وهم يُقتلون جماعياً.
أو لاجئي دارفور، أو نساء نيالا المغتصبات، أو أطفال مدني الهاربين من الجحيم.
هل هؤلاء هم “الشعب” الذي تعمل من أجل مصلحته؟.
أم أن “شعبك” هو سفراء الاستعمار الجديد ، ومراكز الكيد السياسي ، وجلسات الزوم التي تزينها الكلمات الكاذبة من لدن “الانتقال المدني الديمقراطي” و”التوازن السياسي” و”العدالة التصالحية”؟
حمدوك .. إذا كنتَ حقاً مع مصلحة هذا الشعب، فقل لنا: من قتل هذا الشعب؟
من حاصر مدنه؟
من احتل بيوته؟
من اغتصب بناته؟
من ازل رجاله في اردمتا ، و ودالنورة ، وغيرها ؟
تحالف “صموت”، الذي ينتمي له حمدوك بوضوح – وإن حاول التملّص لفظياً – يجوب العواصم باسم “السلام”، بينما يمثل في حقيقة الأمر مبعوثا سياسياً للمليشيات ، التي فقدت مشروعها العسكري، وتحاول الآن إعادة تدوير نفسها سياسياً.
وها هو رئيس جنوب إفريقيا يستقبلهم، بينما الخرطوم تبكي، والفاشر تحترق. والمدنيّ “الصامت” حمدوك، يستنكر بيان الشجب والإدانة الصادر عن الخارجية السودانية لهذه التحركات المشبوهة ولهذه العواصم التي تستقبل القتلة.
اخيرا اقول : هذا “الهمبول” لم يفشل فقط في تمثيل تطلعات الشعب. فهو اليوم يُمثّل الوجه الأكثر خطورة والمشروع المضاد لها ، المشروع الذي يساوي بين الجلاد والضحية، والذي يصمت على الجرائم ويصفّق للقاتل ،
هذا ليس مدنياً.
هذا محامي دفاع “ناعم” عن مليشيا متورطة في جرائم حرب.
وهذا الصمت، وسط هذه الدماء، ليس حيادا إنما خيانة.