بين سلام هشّ وحرب وشيكة: إقليم تيغراي الإثيوبي يواجه تهديدات داخلية وخارجية

بقلم: برهاني نغا

وصل الوضع السياسي في إثيوبيا، ولا سيما في إقليم تيغراي، إلى نقطة حرجة ومتقلبة، في ظل إقدام الحكومة الفدرالية على شطب جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) من السجل الرسمي للأحزاب، وتصاعد الخلافات الحادة داخل القيادة التيغرانية، وتزايد التوتر بين ميكيلي وأديس أبابا، مما يهدد بإعادة إشعال فتيل الحرب الأهلية.
تدهور داخلي وانقسام القيادة
لا تقتصر الأزمة الحالية على حملة الحكومة ضد جبهة تحرير شعب تيغراي، بل تتفاقم بسبب صراع داخلي مرير على السلطة بين جناحين رئيسيين: الجناح التقليدي بقيادة ديبريتسيون قبرمكئيل، والفصيل المدعوم فدرالياً والذي يتزعمه قيتاشو ردا، رئيس الإدارة الانتقالية في تيغراي.
وقد انتقل هذا الصراع من الغرف المغلقة إلى الشوارع، مما زعزع استقرار الإقليم وأثار مخاوف جدية بين السكان. يتركز الانقسام في رفض ديبريتسيون وفريقه لما وصفوه بـ”انقلاب داخلي”، بينما يتهم قيتاشو خصومه بإفشال جهوده لإدارة انتقالية محايدة، ويمضي في تأسيس حزب جديد تحت مسمى “الحزب الديمقراطي الليبرالي للتيغراي”.
شطب الحزب وانعكاساته السياسية
أعلنت الهيئة القومية للانتخابات في إثيوبيا (NEBE) مؤخرًا إلغاء تسجيل جبهة تحرير شعب تيغراي، بسبب فشلها في عقد مؤتمر عام خلال المهلة القانونية. القرار تبعه تحويل أصول الحزب إلى مبادرات للتعليم المدني. وقد أدان قادة الجبهة القرار واعتبروه تهديدًا مباشرًا للاتفاقية الموقعة في بريتوريا في نوفمبر 2022، والتي أنهت حربًا أهلية دامية أودت بحياة نحو 600,000 شخص.
وفي خضم هذا القرار، تفاقمت الانقسامات داخل الجبهة، حيث بادر جناح ديبريتسيون إلى تعيين إدارات موازية في مدن وبلدات مختلفة، متهمًا قيتاشو ردا بمحاولة فرض سلطة غير شرعية بدعم من الحكومة الفدرالية.
اشتباكات وتوترات إقليمية
شهد الإقليم مؤخرًا اشتباكات متفرقة بين قوات موالية للجبهة وأخرى تدعم الإدارة الانتقالية بقيادة قيتاشو ردا، في حين رُصدت تحركات عسكرية وعمليات استيلاء على مكاتب حكومية في بعض المناطق. هذا التوتر دفع السكان إلى تخزين المواد الأساسية وسحب ودائعهم من المصارف، وسط تحذيرات دولية من عودة محتملة للعنف.
في الوقت نفسه، تواصل إريتريا احتلال أجزاء من إقليم تيغراي، في خرق واضح لاتفاق بريتوريا، ما يثير مخاوف من اتساع رقعة النزاع ليشمل حربًا جديدة بين إثيوبيا وإريتريا.
جذور الأزمة وأسباب استمرارها
تتجلى خلفيات الأزمة في عدة عوامل بنيوية، أبرزها:

الإقصاء السياسي للتيغراي: استبعاد الجبهة من الحياة السياسية الفدرالية أدى إلى شعور بالإقصاء لدى سكان الإقليم.

ملف الأراضي والنزوح: لم يتم بعد حل نزاع “غرب تيغراي”، ولا عودة النازحين داخليًا رغم وعود اتفاق بريتوريا.

غياب الترتيبات الأمنية الفعالة: فشل نزع سلاح قوات تيغراي بالكامل واستمرار الوجود العسكري الإريتري والعماري يفاقم المخاوف الأمنية.

ضعف النظام الفدرالي الإثني: يشعر التيغرايون، الذين يشكلون 6–7% فقط من السكان، بتراجع مكانتهم بعد عقود من الهيمنة السياسية.

شبح الحرب من جديد
رغم أن بعض المراقبين يرون أن عودة الحرب الشاملة داخل تيغراي مستبعدة بسبب “إرهاق الحرب”، إلا أن احتمالات التصعيد تبقى قائمة، لا سيما إذا تدخلت أطراف خارجية مثل إريتريا، التي يُقال إنها بدأت اتصالات مع فصائل تيغرانية معينة.
ضعف الاستجابة الإقليمية والدولية
لم تنجح كل من الاتحاد الإفريقي (AU) والهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) في إدارة هذه الأزمة. فالمنظمتان تعانيان من ضعف مؤسسي مزمن، شلل سياسي، نقص في الموارد، وتدخلات من الدول الأعضاء، ما جعلهما عاجزتين عن فرض أي تسوية حقيقية، سواء في إثيوبيا أو في أزمات السودان والكونغو.
نحو مخرج من الأزمة: توصيات للحل

تحرك دولي فوري: يجب على الاتحاد الإفريقي وIGAD والدول الضامنة لاتفاق بريتوريا (جنوب إفريقيا، كينيا، نيجيريا) الدعوة إلى مفاوضات عاجلة بين الأطراف المعنية.

إعادة التمثيل السياسي: ينبغي تمكين التيغراي من تمثيل أنفسهم في المؤسسات الفدرالية، سواء عبر إعادة تسجيل الجبهة أو دعم تشكيل حزب إقليمي جديد.

معالجة النزوح: يجب تسريع عودة النازحين بدعم دولي وضمانات أمنية في المناطق المتنازع عليها.

ترتيبات أمنية إقليمية: من الضروري الدخول في مفاوضات ثلاثية بين إثيوبيا، وإريتريا، وجهات وسيطة دولية لنزع فتيل الأزمة الحدودية.

خاتمة
إن معادلة الاستقرار في تيغراي باتت هشة، وقد تؤدي أي خطوة خاطئة إلى حرب جديدة تكون آثارها مدمرة على سكان الإقليم والمنطقة بأسرها. وحده التدخل العاجل، العادل، والمنسق على المستوى الإقليمي والدولي يمكن أن يمنع الانفجار القادم.

__

برهاني تكلو-ناجا
كلية الحقوق بجامعة هارفارد، جامعة بوسطن، وجامعة تافتس/كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية

Exit mobile version