عثمان ميرغني يتساءل : هل سيعود شارع النيل…؟

شارع النيل، من منطقة كبري المنشية حتى جامعة الخرطوم، يعد من أكثر المناطق شعبية لدى الشباب والأسر. يزدحم يوميًا بآلاف الزوار الذين يستمتعون بالتحلق حول “ستات الشاي”، والتأمل في السيارات المسرعة التي تعبر من الشرق إلى الغرب والعكس. وإذا ما احتاج أحدهم – وغالبًا يحتاج – لقضاء حاجته، فلا مناص من البحث عن ركن منزوٍ، حيث يساعد الظلام في إسبال أثواب الستر. ويستمر الأنس والسهر حتى تباشير الفجر.

ورغم أن هذه المنطقة تضم أجمل شواطئ النيل الأزرق في الخرطوم، فإن أحدًا لا ينظر إلى النيل ليتمتع بإنسيابه، أو يترنم بآلاف الأغنيات التي مجدت سيره الأبدي بين ضفتيه. ليس استنكافًا عن النظر إلى النيل، بل لأن الظلام الدامس يكتم الرؤية. حتى قبل مغيب الشمس، لا أحد يسترق النظر إليه، فهو محجوب خلف مراكب بائسة تشبه واقعنا السياحي الأبأس، أو خلف مزارع فقيرة خالية من الزرع والضرع، رغم وجودها على ضفاف النيل وليس البحر الميت.

ثم جاءت الحرب فحرمت المتسكعين من الوصول إلى هذا المكان، فأصبحوا بين نازح ولاجئ. ولكن الحمد لله الذي نصر جيشنا وأعاد إلينا الأماكن. لعلنا ندرك الآن النعمة التي كنا نغرق فيها ولا نشعر بها.
الجيش أوفى بوعده وطهر الخرطوم، فعاد شاطئ النيل. ولكن، هل تغير الحال؟
هل سيعود أصحاب الذكريات إلى ذكرياتهم وكأن شيئًا لم يكن؟ يعود الشباب للتحلق حول “ستات الشاي”، وتعود “ستات الشاي” بكل معاني الفقر التي كنّ يمثلنها، لا من حيث شح المال فحسب، بل من شظف الحال وضعف الخيال.
السؤال ليس موجهًا لرواد شارع النيل، بل للمسؤولين في ولاية الخرطوم:

ماذا أعددتم لشارع النيل؟
لا أقصد العبارة السمجة المكررة “إعادة الإعمار”، بل جعله نموذجًا لمستقبل جديد يستحق أهل السودان.
هل هناك خطة؟
لا بأس إن لم تكن موجودة حتى الآن، لكن هل هناك نية لإعداد خطة لبناء عاصمة تتجاوز واقع 15 أبريل 2023؟
دعونا من الخطة، هل هناك إحساس بالحاجة إلى خطة؟
فلنتجاوز كل هذا: هل هناك أصلاً جسم أو هيئة معنية بالتخطيط، أم أن الصدفة هي مصدر الإلهام؟
راقبوا معي جيدًا شارع النيل. إن عادت “ست شاي” واحدة، أو عاد شخص واحد ليجلس في تلك الأماكن المظلمة الفقيرة، فاعلموا أن حرب 15 أبريل لم تغير شيئًا في منهج التفكير الرسمي.
والشعب لسان حاله: “أنا مظلوم مرتين.

Exit mobile version