أخر الأخبار

بين ضفتي (أراضي ورمال) الذهب : في مرافئ العلاقات السودانية السعودية

بقلم كابتن طيار عادل المفتي

“إذا اتسعت القلوب ضاقت بينها المسافات، وإن ضاقت القلوب لم تسعها الدنيا بما رحبت.”
منذ فجر التاريخ، كانت العلاقات بين السودان والمملكة العربية السعودية نسيجًا متينًا، حيكت خيوطه من وشائج الدين، وعرى الجوار، وروابط العروبة، وتبادل المنافع، حتى غدت هذه العلاقة شجرة وارفة، أصلها في ضفاف النيل، وفرعها في رمال الحجاز، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها.
وليس غريبًا أن تثمر هذه العلاقات هذا الوفاق العميق، فالسودان والسعودية بلدان يجمعهما البحر الأحمر، وتوحد بينهما القبلة، ويتشابهان في كثير من السمات المجتمعية والثقافية؛ فكلاهما ينتمي إلى المدى العربي الإسلامي، وتاريخهما ممتد في جذور الحضارة العربية الإسلامية، وكأن قول الشاعر العربي ينطبق عليهما:
إذا المرءُ لم يُسْعِدْ أخاهُ بوُدِّهِ
فما هوَ إلا خائنٌ أو مُذَممُ
في خضم التحديات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، يشكّل أمن البحر الأحمر حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي. فهو شريان التجارة العالمي، وطريق الحجيج، ومجال استراتيجي بالغ الحساسية. وهنا، يبرز التعاون السوداني السعودي بوصفه درعًا صلبًا يحمي هذه المياه من عبث الطامعين.
وقد أدركت قيادتا البلدين، منذ وقت مبكر، أن أمن البحر الأحمر لا يمكن أن يُوكَل إلى أطرافٍ خارجيةٍ لا ترى فيه إلا مصالحها الآنية. فبادرتا إلى التنسيق العسكري، وتعزيز القدرات البحرية، والجوية وتفعيل الاتفاقيات الأمنية، ليكون البحر لا فاصلًا بل جسرًا، لا مهددًا بل ضامنًا للأمن والتنمية.
وما من علاقة تكتمل أركانها دون التماس الوجداني، والسودانيون والسعوديون يتحدثون بلغة واحدة في المدى الثقافي. من صوت الطنبور في شمال السودان إلى شدو السامري في نجد، ومن تراث الشعر الحماسي السوداني إلى روائع القصيدة النبطية السعودية، تلتقي الأرواح في وجدانٍ لا يعرف الانفصال.
وقد ساهمت الحركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية النشطة في كلا البلدين، من خلال اللقاءات والاتفاقيات والمعارض، والندوات، والتبادل الأدبي، في بناء جسرٍ من المودة، والألفة والتعاون .
وما بين (أراضي ورمال)الذهب تتقد شمعة الامل والمستقبل بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الخير وولي عهده الامين ورئيس وزرائه ثاقب الرؤية رجل الحاضر والمستقبل حفظهما الله فبدأت تتبلور معالم الامن والدعم القوي لبلادنا ضد اعدائها و علاقات الخير لاراضي الخير لتتلقفها خارجيتها المتزنة لتعبر المحيطات و البحر ليقودها برفق السفير الانسان شمعة الود والإخاء بين الشعبين الدبلوماسي الرائع السفير علي بن حسن جعفر الذي جسد هذه التوجيهات والرؤيةً الثاقبة مجتمعيا واقتصاديا وسياسيا وتعاونا بين الشعبين متحديا الظروف ليرفع علم بلاده في سفارة المملكة بالخرطوم منادياً اخوته من وسط الركام ايذانا بعهد جديد ونماء واعد ومستقبل اجمل للشعبين .. فلا يشبه ذلك إلا تلك الكلمات الخالدة التي قالها الأديب مصطفى صادق الرافعي:
“ليس في الدنيا شيء هو أمتع للنفس من حديث الحبيب إلى الحبيب، إذا أفضى إليه بسر قلبه، وفاض عليه بنور روحه.”
ولو قُدّر للكلمات أن تتحول إلى تماثيل من ذهب، لكان الشكر واجبًا للمغترب السوداني في أرض المملكة. هؤلاء الرجال، الذين حملوا السودان في قلوبهم ووهبوا المملكة سواعدهم، كانوا منارات أخلاق وسفراء تفانٍ. في المدارس والمستشفيات، في الحقول والمصانع، والطائرات والمطارات تجد السوداني يحمل لواء الصدق والنبل والوفاء والمعرفة.
لقد أسهم المغترب السوداني في نهضة المملكة بشكلٍ لا تخطئه عين المنصف. كانوا جزءًا من مشروعات التنمية، ولبناتٍ في بناء الإنسان السعودي، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والهندسة. ويكفي أن نذكر قول الإمام الشافعي:
“من لم يذق مر التعلم ساعة، تجرع ذل الجهل طول حياته.”
وهذا ما وعاه السوداني المغترب، فكان سفير علم وعمل.
إن المودة بين الشعبين السعودي والسوداني لم تتشكل من مجاملات سياسية، بل من تداخل عشائري، ونسب مصاهري، ووشائج لا تنفصم. ففي جدة، ومكه والرياض، والدمام، تجد عائلات سودانية انصهرت في المجتمع السعودي، كما تجد أسرًا سعودية تمتد جذورها إلى السودان. هذه الروابط لا تُشترى، ولا تُفرض، بل تنمو كما تنمو الأشجار في أرض خصبة.
وكما قال أحد الحكماء: “النسيج الاجتماعي لا يُنسج بالخيوط، بل بالمواقف، وبالمحبة الصادقة.”
إن العلاقات السودانية السعودية ليست مجرد وثائق ومعاهدات، بل هي روحٌ تسري بين شعبين كريمين. وفي زمنٍ تتقاطع فيه المصالح وتتصارع الأهواء، تظل هذه العلاقة مثالًا على التفاهم، والاحترام، والشراكة المتوازنة.
أما العلاقة بين السودان والسعودية، فهي ودٌ إذا مال البحر لا يميل، وثباتٌ لا تهزه العواصف، وصدقٌ لا يعرف الزيف. وستظل كذلك، بإذن الله، ما دام في الأرض خير، وفي السماء نجوم تهدي الساري إلى طريق الرفقة الصادقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى