
في زمن تتقاطع فيه الخنادق مع المواقف، وتشتبك البنادق مع الكلمة، يبرز رجال من طينة مختلفة… رجال “مكنات مكنات”، لا يلينون ولا يهادنون، بل يذهبون إلى حيث الموقف يحتاج، وحيث الوطن ينادي.
وسط هذا المشهد المعقد، تتقدم مصر، كما عهدناها، أم الدنيا، وأم وأخت ورفيقة درب للسودان منذ الأزل وحتى قيام الساعة. فتحت بيوتها وقلوبها للسودانيين، فكانت لهم الرئة التي يتنفسون بها وسط الجراح، والقلب الذي ينبض محبة، والحضن الذي جمع تحت دثاره الحالمين بوطن موحد وآمن.
أكثر من ثلث السودانيين عبروا أو أقاموا في مصر، وأكثر من ثلثي مصالح السودان الاقتصادية والاستراتيجية ترتبط بها. ومن هنا، حين احتدم الأمر واشتد الخطر، كان لا بد أن يذهب إلى القاهرة رجل من العيار الثقيل، رجل مكنة لا تفتر.
فجاء الفريق أول مهندس عماد الدين عدوي، لا كمجرد سفير، بل كـ”رجل دولة”، يعرف تماماً أن مهمته أبعد من الشكليات الدبلوماسية، وأقرب إلى واجب وطني مقدس.
عدوي، الذي قضى عمره في ميادين الشرف، عاد اليوم ليخوض معركة من نوع جديد.
معركة الدفاع عن صورة السودان، عن شرعيته، عن جيشه، عن نضاله وعن أهله اللاجئين في قاهرة المعز.
لم يعد سلاحه البندقية، بل الموقف والكلمة والمبدأ.
ولم تعد ساحته خنادق، بل دهاليز السياسة ومستنقعات الإعلام وتضارب المصالح الدولية.
من قلب القاهرة، المدينة التي آوت مئات الآلاف من السودانيين الهاربين من نيران الحرب، يتحرك السفير عدوي بحنكة وثبات، حاملاً رسالة واضحة: لا صوت يعلو فوق صوت الحقيقة. لا شرعية لمليشيا إرهابية تصنع كيانًا وهميًا بدعم خارجي مكشوف.
في زمن يُباد فيه المدنيون في الفاشر جوعاً، وتُذبح غزة عطشاً، يبقى الصوت الإنساني هو الحصن الأخير.
وها هو عدوي، بثقله ووعيه، يقف في وجه الحرب النفسية والتضليل الإعلامي، الذي يسعى لتحويل المجرم إلى بطل، والضحية إلى متهم.
لكن هذا الميدان، كما هو معلوم، لا يُخاض منفردًا.
ومن هنا، يبرز التعاون المثمر مع السفير المصري في الخرطوم، هاني صلاح، الذي أثبت بحكمته أن أمن السودان من أمن مصر.
وساهم في دفع ملفات اقتصادية وأمنية مشتركة، من إعادة الإعمار إلى الربط الاستثماري والتجاري، في رسالة واضحة:
لن يُهزم السودان طالما تقف مصر بجانبه، ولن تُكسر إرادة شعبين يجمعهما التاريخ والمصير.
لقد انتصر السودان في الميدان، لكن المعركة لم تنتهِ. فالميادين تغيرت، من ساحات القتال إلى منصات الإعلام وغرف التفاوض، وهنا، يقف عدوي شامخاً كما عرفناه، لا يتردد، لا يتلعثم، لا يتاجر.
يعرف متى يتحدث، ومتى يصمت، وكيف يوجه الرسائل في الوقت الصحيح، وباللغة التي تُفهم جيداً.
إنها معركة البقاء ومعركة الوعي معًا.
وما يحتاجه السودان اليوم، ليس فقط مواقف، بل رجال من قامة وعدالة وصلابة عمادالدين عدوي.
رجال يعرفون قيمة الوطن، ويحملون اسمه أينما حلّوا، بعزة لا تُشترى، وبكرامة لا تُساوم.