حماد عبدالرحمن صالح، والى ولاية غرب كردفان، الرجل الذى عرفته لأكثر من ثلاثين عاما

في البدء، ليس من عادتي كما عرفنى الجميع أن أمتدح أو أن أهجو أى شخص، ولكن ضرورات ثورة ديسمبر المجيدة وتضحيات شعبنا تجعل من الضرورى أن أقدم هذا الإستثناء لأكتب هذه المساهمة لتسليط الضوء على قائد ظل يقدم دون أضواء وربما لا يعرفه الكثيرون. وأنا إذا أكتب ما أكتب دافعى الوحيد هو تمليك المعلومة لجماهير شعبنا ولتبشيرهم بهذا القدوم الميمون.

كثيرون منا خصوصا الذين يقيمون بالغرب أثر أن يبقى فى وظيفته ويهنأ بإستقرار الأوضاع وسهولتها بالغرب؛ إلا أن صديقنا الهمام الأستاذ حماد عبدالرحمن صالح كان همه أكبر من رفاهية الحياة بكندا؛ فقد كان همه الوطن وإنسانه لاسيما أهله بولاية غرب كردفان. ويسعدنى فى بداية هذا المقال أن أهنئ إنسان هذه الولاية الهامه بقبول أستاذ حماد للتكليف لخدمة أهله ووطنه.

هذه السطور المختصرة أكتبها لتسليط الضو على القليل من تاريخ هذا الرجل القامة وتناول القليل من الجانب الإنسانى لشخصيته والتى قد تحتاج لكتاب لتغطية كل جوانب شخصية الرجل وقدراته القيادية وحماسه وحبه اللامحدود للوطن عامة ولولاية غرب كردفان خاصة، واعلم تماما ان هذه الكلمات لن تزيده شهرة ولن تقدمه على الاخرين فى شئ، ولكنها ربما تلقى الضوء على القليل من ما يحمله من حب لهذا الوطن الكبير، فهنيئا لنا وللسودان ولابناء ولاية غرب كردفان بأن نرى شخصية بهذه القامة تأتى فى قيادة حكم الولاية فى فترة مفصلية وبالغة التعقيد من تاريخ السودان.

لقد بدأ الحبيب (كما يحلو لنا مخاطبته) حماد مسيرته النضالية والسياسية فى حزب الأمة منذ أيام دراسته بالثانوى وضد نظام الانقاذ منذ أيام النظام الأولى عندما كان مقيما فى ليبيا، مستقبلا وفاتحا بيته للمعارضين من اعضاء حزب الامة وغيرهم، موفرا لهم كل ما يحتاجونه لمواصلة النضال ضد الانقاذ، واستمر فى هذا النهج بعد ان انتقل وأسرته الى أوغندا حيث كان رئيس حزب الامه القومى فى شرق افريقيا ومن المؤسسين للتجمع الوطنى الديمقراطى المعارض هناك، بل صار حلقة وصل بين المعارضة السودانية والحكومة الأوغندية من اجل محاصرة النظام البائد وفلوله، متحملا كل المخاطر فى وقتها، منها دخوله الاراضى (المحررة) التى كانت تحت سيطرت الحركة الشعبية فى رحلة تاريخية مع الراحل العميد فتحى لمقابلة جون قرنق ومخاطبة الاسرى الجنود السودانيين وحثهم على ترك النظام البائد والانخراط فى صفوف المعارضة لمنازلة نظام الانقاذ البائد. كما لعب دورا محوريا فى تحييد قبائل التماس من الدخول فى صراعات مع القبائل الجنوبية المتاخمة خصوصا فى منطة بحر العرب. و شارك فى إنشاء أسواق السلام بين المسيرية والدينكا فى شمال بحر الغزال فى أيام الراحل جون قرنق، دعما للتعايش السلمى والسلام بين قبائل التماس وإستمر فى هذا المنوال حتى هاجر مع أسرته الكبيرة الى كندا فى عام 1997.

رغم إنى كنت أسمع بجهود الحبيب حماد منذ مطلع التسعينات إلا أنى قابلته ولأول مرة بعد هجرتى إلى كندا حيث عملنا سويا فى تأسيس حزب الامة القومى بولاية مانيتوبا فى العام 2001 وتأسيس حزب الامه القومى فى كندا فى 2016، كما شاركنا سويا فى المؤتمر التداولى للحزب فى أمريكا بحضور قيادات الحزب من مختلف المدن الامريكية ومن داخل السودان، وحينها لعب حماد دورا فاعلا فى هذا المؤتمر لتدعيم خيار وحدة الحزب و تنشيط العمل الحزبى إسهاما منه فى إيجاد حلول للمشاكل التى يعانى منها الحزب حتي يتفرغ لإسقاط نظام الإنقاذ. وعملت مع الحبيب حماد ومع بعض السودانيين فى ولاية مانيتوبا على تأسيس دعائم العمل الاجتماعى والثقافى ووضع لبنات بناء الجالية السودانية لأبناء الجالية السودانية فى مانيتوبا. وقد ظل هم حماد الاول والاخير دوما الوطن وهموم ووقضايا المواطن السودانى اينما كان.

لقد قام الحبيب حماد بتأسيس الجمعية السودانية لحقوق الانسان التى كان مقرها فى أوغندا وثم أقام لها فرع فى كندا،ومن صميم عملها الدفاع عن حقوق اللاجئين السودانيين ودعم استقرارهم، وأيضا قام بتأسيس منظمة التماس للتنمية والسلام، وهدفها دفع مشاريع التنمية فى غرب كردفان وتوعية المجتمع الكردفانى بحقوقه الضائعة بسبب نظام الإنقاذ البائد. وفى كل هذا كانت قضية أبيي قضية محورية للإستاذ حماد وله فيها رؤية ثاقبة و مساهمات لا حصر لها أخرها ورشة قضية أبيي التى أقامها حزب الأمة القومى فى امدرمان، فى شهر مايو المنصرم و التى دعمها من حُر ماله الخاص لتنوير الرأى العام بالقضية وأبعادها والحلول الممكنة. وقبل تعينه لمنصب الوالى ببضع أسابيع تمكن الحبيب حماد ورفقائه من المنطقة من مقابلة رئيس الوزراء لشرح أوضاع المنطقة وضرورة دعم المركز لمنطقة غرب كردفان.

ان للحبيب حماد إلمام تام بتفاصيل وتعقيدات منطقة غرب كردفان مدركا لحالة الفقر رغم أن المنطقة منتجة للبترول وله دراية بملف فساد إداريها فى الفترة السابقة وعدم استغلال مواردها استغلالا صحيحا، بسبب فساد النظام البائد واستهتار شركات النفط وعدم ايلاء اهل المنطقة أى اهتمام، بالاضافة الى التفلتات الامنية التى تحدث من وقت الى اخر، والتوترات على حدود التماس بسبب الاحتكاكات القبلية.

فى ظل كل هذا العطاء، وفى الوقت الذى ظل فيه نظام الانقاذ البائد يقدم الاغراءات تلو الاغراءات للكثير من المعارضين ووقوع الكثيرين منهم فى فخ هذه الاغراءات، كان للحبيب حماد موقفا واضحا لا يحتمل الشك نحو هذا الامر، بالرغم من انه وكأحد رموز وقيادات قبيلة المسيرية المستنيرين، كان يمكنه المشاركة فى الحكم فى مختلف المواقع القيادية فى وقت مبكر من حكم الانقاذ، ولكنه ظل على المبدأ، غير متزحزح عن مبادئه الثابته، رافضا لاى منصب إلا من خلال تحول حقيقى كما نراه الان فى السودان.

تجدونى هنا مثمنا لمواقفه الواضحة والقوية فى مناهضة ومنازلة نظام الإنقاذ البائد طيلة الثلاثين عاما الماضية فى كل الجبهات، لم يتزحزح فيها عن مبادئه التى يؤمن بها قيد أنملة، وفى سبيل ذلك دفع ثمنا باهظا، حيث وضع مستقبله ومستقبل أسرته على خط النار، فى أيام كان حكم الانقاذ يلاحق فيها معارضيه اينما كانوا،والتى وصلت أحيانا حد التصفيات الجسدية للمعارضين، فى الوقت الذى كان فيه الكثير من الأخرين يتمرغون فى أحضان الانقاذ، فالنضال والبلاء والعطاء قبل الفتح ليس كمثل ما بعد الفتح.

ورغم إنشغال الحبيب حماد بالشأن العام؛ إلا أنه أيضا ظل إنسانا فريدا فى إحترامه للأخرين وفى إهتمامه بشؤن الأصدقاء والجالية السودانية. وتضغى بوضوح على شخصيته صرامته وشجاعته في إبداء الرأي، لا يخاف فى ذلك لومة لائم، وهو ما أكسبه احترام الجميع، وسط أهله وأحبابه وأصدقائه وكل من عرفه. فلقد كان لي عظيم الشرف ان أكون صديقا بل وحبيبا مقربا له ولأسرته، بالرغم من أنى لم تربطنى به صلات القربى أو الإنتماء الجغرافى، وأحسب نفسى لصيقا بأسرته الكبيرة. والرجل له شهامة لا تخطيها عين، وكمثل أهل السودان يعتبر الكرم وإحترام الناس ونكران الذات من علاماته المميزة، يعرفه أهله وأصدقائه بأنه رجلا يفشي السلام بين الناس ودائما فى مساعدة الاخرين ولو على حساب أسرته، فهو قائد مجتمعى بالفطرة، لا يرى فى نفسه الا خادما للجميع، وفى كل الاوقات، وبلا تردد، يقوم بهكذا دور فى تواضع وإحترام دون من أو أذى، من دون كلل او ملل، لا يريد من ذلك جزاءً ولا شكوراً، فلقد فُطِر على حب وبذل الخير، فوجد القبول ونال الاحترام من الجميع، ولا نزكيه على الله؛ ولم نقل إلا ما عرفنا. وظل فاتحا بيته لجميع افراد الجالية السودانية بمختلف مشاربهم فى ليبيا وفى أوغندا وفى مدينة وينبيج، فى كل المناسبات الاجتماعية وفى غيرها. وكما يقولون وراء كل عظيم إمراة؛ فقد ظلت زوجته السيدة ضوة هى الأخرى شريك حقيقى فى كل هذا العطاء الإنسانى، فرغم عظمة مسئولياتها فقد ظلت دوما بجانب زوجها فى العطاء وخدمة الناس مما جعلها هى الأخرى أما وأختا لجميع أفراد الجالية بولاية مانيتوبا. إن الحبيب حماد وأسرته فى مدينة وينبيج، كانت وستظل نموذجا للأسر السودانية التى تمثل وجها مشرقا للإنسان السودانى ببلاد الغربة.

هذه القدرات السياسية والخبرات المكتسبة بالإحتكاك العالمى؛ مضافا له الإهتمام الفائق بإنسان منطقة غرب كردفان خاصة والسودان عامة، مضاف لها شخصية الأستاذ حماد الإنسانية تجعل منه رصيدا كبيرا لولاية غرب كردفان وإضافة نوعية لقيادة الفترة الإنتقالية فى ظل التعقيدات الماثلة. وإنى على يقين بتعاون أهل الولاية سوف يتمكن الإستاذ حماد من تقديم تجربة رائدة فى هذه الفترة القصيرة من عمر التكليف وسوف تساهم فى توفير رصيد مهم له وللوطن للإسهام فى مستقبل نهضة الولاية والوطن الكبير!

حفظ الله بلادنا وقياداتها الراشدة لتحقيق الحلم الديمقراطى،وبناء وطن يسع الجميع!
الدكتور خالد أصيل أحمد
ولاية ألبرتا؛ كندا
26 يوليو 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى