جلست في زاوية الصالون أراقب الحلاقين والزبائن وأفكر في مشاغل الحياة
بينما كنت في انتظار دوري دخل شاب يبدو في العشرينات من عمره كان واضحًا أنه يعاني من تأثير المخدرات حيث كانت عيونه غارقة في ضبابية ويبدو أنه غير متوازن لكن ما أثار فضولي هو الطريقة التي بدأ بها الحديث مع الموجودين لم يكن حديثه عن المخدرات أو مشاكلها بل عن الإيمان والروحانية.
(انتوا عارفين أن الملائكة تحرسنا؟) قال بصوت مرتجف لكنه مليء بالشغف (في ملائكة بتنزل بالرحمة وفي ملائكة بتقبض الأرواح).
توقفت عن التفكير في شعري وبدأت أستمع إليه كان يتحدث عن الآخرة وكأنها قريبة منه وكأن كل كلمة يخرجها من فمه تحمل عبق الأمل والحنين للعودة إلى الرشد كان يتحدث عن الله وكأن لديه علاقة شخصية معه رغم كل ما يمر به.
شعرت بشيء يتحرك داخلي و تسأولات كثيرة كيف يمكن لشخص يعيش في حالة من الفوضى أن يمتلك هذا العمق الروحي؟ كيف يمكن له أن يتحدث عن الإيمان بينما هو محاط بالظلام؟
بينما كان يتحدث لاحظت أن بعض الزبائن بدأوا ينظرون إليه بتعجب والبعض الآخر بدأ يبتسم كانت كلماته تلمس قلوبهم بطريقة لم أتوقعها ربما كانوا يرون فيه صورة من أنفسهم أو ربما كانوا يتذكرون أيامًا كانوا فيها أقرب إلى الله.
لكن بالرغم من النصائح الكثيرة التي ألقاها أتضح أنه يريد أن يُعطف عليه من الموجودين داخل الصالون و عسى أن يمنحوه إكرامية ليشتري بها الخرشة (هي نوع من أنواع المخدرات التي أضاعت الكثير من أحلامهم وآمالهم) هذه اللحظة تعكس تناقضًا صارخًا بين الرغبة في التغيير وبين القيود التي يفرضها الإدمان.
الآن أدركت أن الإيمان لا يتطلب الكمال يمكن أن يكون موجودًا في أكثر الأماكن ظلامًا وفي أكثر الأشخاص تعقيدًا قد يكون ذلك الشاب هو المرآة التي تعكس لنا ما نحتاجه في حياتنا(التواضع و الأمل و الإيمان)
عندما جاء دوري لقص الشعر شعرت أنني خرجت من الصالون بشيء أكبر من مجرد قصة شعر جديدة خرجت بحكمة جديدة( أن نكون دائمًا مستعدين للاستماع وأن نرى النور حتى في أحلك اللحظات)
كان درسًا لي في الإنسانية وفي كيفية رؤية الجمال حتى في الظلام كل شخص يحمل قصته الخاصة وقد تكون تلك القصة هي مفتاح لفهم أعمق للحياة وللإيمان.