تأملات – جمال عنقرة الولاة – التصحيح لا يزال ممكنا

كنت قد كتبت مقالا عشية ليلة إعلان أسماء ولاة الولايات المدنيين، وحذرت في ذاك المقال من اختيار الولاة بالطريقة التي تسير بها عملية الترشيح، وحسب الأسماء التي رشحت وتداولها الناس في وسائط الميديا الإلكترونية كلها، وللأسف الشديد فلقد أعلن رئيس الوزراء ذات الأسماء التي رشحت، وحذرنا منها، ليس ذلك طعنا أو تقليلا من شأن الولاة الذين وقع عليهم الإختيار، ولا يحق لي قطعا أن أفعل ذلك، فعلي الرغم من أن بعض هؤلاء الولاة سمعنا عنهم من بعض الذين نثق في شهادتهم ما يقدح في أهليتهم للمنصب، فلقد سمعت عن آخرين منهم ما يسر، ومنهم من أعرفه شخصيا، ونشهد له بالكفاءة والقبول، وحسن الخلق، وطيب المعشر، مثل صديقنا الدكتور محمد عيسي عليو، المرشح لولاية شرق دارفور، ومن الذين سمعت عنهم خيرا والي ولاية الخرطوم الأستاذ أيمن خالد، وهذا أول من شهد له أخي الشقيق المجاهد المناضل الثائر، خليفة الخلفاء، زعيم وكبير الحضراب، الشيخ عمر الشيخ إدريس حضرة، وعمر حضرة لا شهادة تعلو فوق شهادته، وشهد له اتحاديون آخرون ممن نثق في شهادتهم، وسمعت عنه خيرا أيضا من بعض أصدقائنا المخضرمين الصادقين في مكتب والي ولاية الخرطوم، والذين عاصروا ولاة كثر، ويجيدون الحكم (من أول نظرة) ومن الذين سمعت عنهم خيرا أيضا الدكتور حامد البشير والي ولاية جنوب كردفان، وهذا حدثني عنه صديقي وأخي الأستاذ معاوية أبو قرون، ومعاوية رجل يعرف سير الرجال، ويعرف أقدارهم كذلك، وسمعت خيرا كثيرا عن والية ولاية نهر النيل البروفيسور أمال محمد عز الدين عثمان، ولقد شهد لها زملاء دراستها الزراعية في مصر، وزملاؤها في الحقل الزراعي، لا سيما زملاءنا في كلية الزراعة في كفر الشيخ الذين زاملوها في بعض مواقع العمل، وبعض زملائها في زراعة الزقازيق، وسمعت خيرا كثيرا أيضاء عن والية ولاية نهر النيل البروفيسور آمنة أحمد محمد المكى، ويكفي آمنة أنها خريجة طب الجزيرة، وشهادتي في خريجي طب الجزيرة غير مجروحة، ولقد تعاملت مع كثيرين منهم، وأشهد لهم بالتميز والإتقان، أما الذين سمعنا عنهم ما لا يدعم تقديمهم لهذه المواقع، فما قيل لا يحتاج إلي زيادة، والحديث السالب في حق بعضهم يوشك أن يصل درجة التواتر، ولكن ليس هذا هو المهم، الأهم هو طريقة المحاصصة الحزبية التي تم الترشيح علي أساسها، وهذا ما حذرت منه في المقال الذي أشرت له (المحاصصة .. القشة التى قصمت ظهر الثورة) وأحسب أن أفضل مرافعة في ذلك تلك التي قدمها الحبيب الفريق صديق اسماعيل في المؤتمر الصحفي لحزب الأمة الذي أعلن فيه الحزب رفضه لطريقة اختيار الولاة، وأهم ما ذكره الفريق صديق علي لسان الحزب، وعضده الذين تحدثوا في ذاك المؤتمر من قيادات الحزب، الأحباب نائبة الرئيس الدكتورة مريم الصادق، والأمين العام السيد الواثق البرير، والأمين السياسي الدكتور محمد المهدي حسن، ومساعد الرئيس السيد بشري الصادق المهدي، فأهم ما قاله هؤلاء الأحباب أن صدور قانون للحكم المحلي كان ينبغي أن يسبق تعيين الولاة، حتى يجدوا مرجعية يستندون إليها في حكمهم، وكان حزبهم قد قدم مشروع قانون للسيد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، ولكنهم لم يهتموا به كما وعد السيد الرئيس، وذات الحديث كان قد قال به الخبير والعالم الدمنقاي الدكتور التجاني السيسي آخر حاكم لإقليم دارفور كله في آخر حكومة ديمقراطية قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وذكر حزب الأمة أيضا في بعض ما كشف في المؤتمر الصحفي الخاص بتعيين الولاة، كشف عن اتفاق تم بينهم وبين رئيس الوزراء، وبعض قيادات الحرية والتغيير علي أن يكون ولاة الولايات التي تشهد توترات عسكرية، من المدنيين أصحاب الخلفيات العسكرية، بمعني أن يكونوا من معاشيي القوات المسلحة والشرطة، وكانت الحكومة قد سمت ثماني ولايات وزاد حزب الأمة عليها اثنين فصارت عشر ولايات، ومع ذلك لم يراع ما أتفق عليه في أسس ترشيح ولاة هذه الولايات.
ليس بسبب التوترات التي تشهدها ولايات عدة اعتراضا علي بعض الولاة فقط، ولكن كما يقول المثل السوداني (الني يرجع للنار) وكل ما أتبع في ترشيح الولاة (ني) ومعلوم أن الرجوع إلى الحق فضيلة، فالأفضل للسيد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، وللحاضنة السياسية قوي إعلان الحرية والتغيير، وللحكومة، ولمجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني، ولأهل السودان جميعا، ولمسيرة ثورة ديسمبر المجيدة التى نرجو ألا تنتكس، وأن تكون بداية حقيقية لتصحيح مسار الحكم في السودان، فالأفضل لهم جميعا أن يعاد النظر في مسألة تعيين الولاة كلها، وكما أسلفت ليس فقط إستجابة للضغوط الجماهيرية العاتية، وهي تعبير عن رغبة الشارع الذي صنع الثورة وتستحق أن يستجاب لها، ولكن قبل ذلك لمصلحة الثورة والوطن أولا، ومن أجل تصحيح مسار الثورة الذي لا يزال ممكنا ومتاحا، نرجو أن يتم اليوم قبل الغد وقف كل الإجراءات الخاصة بالولاة المعينين، ولتكن الخطوة الأولى إصدار قانون للحكم المحلي، سواء استعانوا في ذلك بمشروع حزب الأمة، أو لم يستعينوا به، أو حتى يبدأون من الصفر، المهم لا بد من وجود قانون للحكم المحلي، يحدد صلاحيات الولاة، ويوضح مسار الحكم، والعلاقات الرأسية والأفقية، وبين المركز والولايات وغيرها مما يجب تحديده لدعم الحكم المحلي في السودان، والذي صار مكتسبا لا يمكن التراجع عنه، ولا بد في هذا المقام أن نزجي شكرا جزيلا وجميلا للأخوة الولاة العسكريين الذين أبلوا بلاء حسنا في ظروف بالغة التعقيد، وهو شكر كان أولي بتقديمه السيد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، والذي لم تعجبن اشارته السالبة لفترة حكم الولاة العسكريين، فكان علي الأقل يقدر استجابتهم الكريمة لمناشدته لهم تجميد استقالاتهم والاستمرار في حكم ولاياتهم حتى لا يحدث فراغ، إلى حين الإتفاق علي ولاة مدنيين، وقد فعلوا استجابة لنداء رئيس الوزراء، وقبله استجابة للنداء الوطنى الراسخ في قلوب العسكريين جميعا، الذين نذروا حياتهم لحماية الوطن والدفاع عن إنسانه وأرضه وعرضه، فلهم منا جزيل الشكر والتقدير.
وما نقترحه لمسألة الولاة المدنيين، ونري فيه المخرج والتصحيح، فبالنسبة لولايات الأوضاع الخاصة، والتي أسموها ولايات الهشاشة، الأفضل أن يعودوا إلى ذات ما اقترحوا قديما، بأن يكون ولاة هذه الولايات من المدنيين أصحاب الخلفيات العسكرية، أما بالنسبة للولايات الأخرى فلا نجد أنسب لحكمها في هذه المرحلة الانتقالية من المخضرمين المعتقين الخبراء والعلماء من الإداريين، وأعني قدامي الضباط الإداريين، فمن بين هؤلاء من يحسبون ضمن تصنيف العباقرة، ولا يوجد من هو أعلم منهم، وأكثر خبرة ودراية في شؤون الحكم المحلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى