أخر الأخبار

ضل التاية – بروفيسور إبراهيم محمد آدم – قراءة في مخاطبة رئيس الوزراء وكاميرون هيدسون لمجلس الأمن الدولي 2(-2)

 

إن تلك الجلسة التاريخية موضوع المقالين لم تكن جلسة اجتماع روتيني فحسب ، بل كانت لحظة مكاشفة دولية تم استدعاء الدبلومسي والباحث الامريكي كاميرون هيدسون لمخاطبتها الى جانب رئيس الوزراء البروفيسور كامل ادريس، حيث و ضع هيدسون المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية تجاه الدولة التي يتم تفكيكها عمداً في قلب أفريقيا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي وبتخطيط معلن ومكشوف من قبل تلك الدول التي سبقت الاشارة اليها .
في تلك الجلسة كانت إحاطة كاميرون هيدسون قوية ومباشرة حيث قال ان الامارات اقامت جسراً جوياً عسكرياً واسعاً تم لنقل الأسلحة للمليشيا عبر أنظمة تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومنطقة بونتلاند في الصومال، وهذه الأسلحة هي التي طورت قدرة المليشيا ومكنتها من اسقاط مدينة الفاشر بعد اكثر من عامين ونصف وما تبع ذلك من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وابادة جماعية على اساس عرقي .
قد يسأل سائل لماذا تم اختيار كاميرون هيدسون لمخاطبة هذه الجلسة الى جانب رئيس وزراء الحكومة المدنية الانتقالية السودانية وللتعريف به فقد عمل في مديرية أفريقيا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ( CIA ) و هذه المرحلة التأسيسية من مسيرته المهنية تعتبر حاسمة في تشكيل منهجه التحليلي ذلك لأن محللو تلك الوكالة يتدربون على قراءة ما وراء البيانات العلنية لمعرفة ما بين السطور وما وراء الاخبار ، ويتتبعون خطوط الإمداد اللوجستي، وتحليل شبكات التمويل غير المشروعة، وفهم ديناميات المليشيات المسلحة التي تعمل دوماً خلف ستار كثيف وبرنامج تمويه يحجب نواياها الحقيقية ونوايا داعميها.
لم يستمر هيدسون طويلا في وكالة المخابرات المركزية الامريكية فانتقل بعد التخلي عنها من التحليل إلى صنع السياسات حيث تولى منصب مدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي (NSC) بالبيت الأبيض خلال إدارة الرئيس جورج بوش الابن لاحقاً، ثم عمل دبلوماسيا في منصب مدير مكتب المبعوث الرئاسي الخاص للسودان في وزارة الخارجية الأمريكية سابقا لذلك لم يكن اختيار هيدسون لتقديم إحاطة بصفته ممثلاً لمنظمات المجتمع المدني عشوائياً، بل كان تنسيقاً جيداً من حكومة السودان مقدمة الطلب ودعم كبير من حلفاء واصدقاء السودان مثل روسيا والصين ذلك لان الحكومة السودانية تدرك أن اتهاماتها للإمارات غالباً ما تُقابل بالتشكيك ولهذا فان استقدام خبير أمريكي، بتلك الواصفات، ليقول نفس الاتهامات التي تقصت عنها العديد من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، يؤكد ما ظل يبرزه السودان من أدلة واضحة على تورط الامارات ودول الجوار التي سبقت الاشارة اليها في التدخل المباشر الى جانب المليشيا.
في إحاطته تلك قدم هيدسون رؤية مقلقة و صادمة وصورة قاتمة للاوضاع في السودان مقدماً تفاصيل ومعلومات توضح بجلاء أن السودان على شفا جرف هار ربما يقود الى انهيار الدولة بالكامل اذا سقطت الولايات السودانية الاخرى في يد المليشيا ، كما أوضح ان التدويل يزداد كل يوم ذلك لأن الحرب لم تعد أهلية، بل حرب بالوكالة مع لاعبين دوليين وعلى رأسهم دولة الامارات التي استجلبت المرتزقة من كل دول غرب أفريقيا بل تعدت الى استجلاب المرتزقة الكولومبيين الذين بلغ عددهم الفان وخمسمائة فردا عبر شركات مقرها في الولايات المتحدة وبريطانيا مما يعني ضمنياً موافقة هاتين الدولتين وتسهيلهما لتلك العملية، وقد لعب هؤلاء دوراً حاسماً في اسقاط مدينة الفاشر ، وتلك المعلومات تم تأكيدها من قبل الحكومة السودانية التي تواصلت مع سلطات فنزويلا وابلغتها باحتجاحها على الامر وحقها القانوني في مقارعته ، إن هذا الموضوع قد كشف بجلاء حجم التمويل الدولي لهذ المليشيا تحت سمع وبصر العديد من الدول.
افاض هيدسون في تلك الجلسة واوضح كيفية استخدام الطائرات المسيرة في الهجوم على مدينة الفاشر انطلاقا من دول الجوار السوداني حيث بلغت اكثر من خمسمائة مسيرة شنت العديد من الهجمات الدقيقة ليست في الفاشر وحدها بل في بابنوسة وهجليج لاحقا مما ادى الى سقوطها في يد المليشيا، وقد كانت تلك المسيرات قد اطلقت بقدرات فنية وتقنية عالية بدعم خارجي كبير لم تكن المليشيا قادرة عليها، وفي الختام دعا هيدسون الى تفعيل حظر الاسلحة في دار فور بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 1591 الذي سبقت الاشارة مع متابعة تلك الشركات المرتبطة بتمويل المليشيا مع محاسبة تلك الدول التي تسببت في ذلك.ولم يكن هيدسون متفائلا حتى عقب تلك الجلسة حيث قال ان الولايات المتحدة قد تخلت عن التدخل في العديد من المشكلات الدولية في عهد الرئيس دونالد ترامب قد خفضت موازنة بعثات السلام وسوف تخفضها في العام 2026م وانها في هذه المبادرة تركز فقط على وقف اطلاق نار لاغراض انسانية وليس هدنة طويلة وترتيتبات سلام تليها .الامر الاخر ذو المؤشرات غير الجيدة ان امريكا كانت تصر في ذه الجلسة على سردية طرفي النزاع عوضا عن الحديث عن تمرد ضد الجيش السوداني وبذات الصيغة تحث مندوبا فرنسا وبريطانيا كما ان التآمر في افساد مخرجات الجلسة ظهر في اعطاء الفرصة الاخيرة لمندوب دويلة الامارات دون ان يتمكن رئيس الوزراء في الرد عليه كما ان قرارات مجلس الامن ظلت غير مطبقة حسب ما سبقت الاشارة اليه وبالتالي حتى لو تم اصدار قرار جديد لصالح السودان لن يجد حظه من التنفيذ وعلى القيادة السودانية وقف التردد الذي لازمها طويلاً وجعلها لا تعرف حتى الأعداء من الاصدقاء مع البحث عن بدائل لحماية امنها القومي وهذه النصيحة التي بذلها هيدسون يجب ان تطبقها الحكومة السودانية فورا من خلال تفعيل اتفاقياتها مع الاصدقاء وعلى رأس ذلك اتفاقية الدفاع المشترك مع الشقيقة مصر حيث اصبح النزاع دوليا يتطلب الاستفادة من تلك الاتفاقية الى جانب الدخول في اتفاقيات جيدة مع اصدقاء السودان مثل روسيا والصين وتركيا وايران وبدون ذلك فقد يصبح السودان في مهب الريح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى