مأمون على فرح يكتب : آمنت لك يادهر… ورجعت خنتني ( قشتمر رواية الأديب الخالد )

 

 

 

يصف أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ في قشتمر حي العباسية ويقول : العباسية في شبابها المنطوي… واحة في قلب صحراء مترامية الأطراف في شرقها تقوم السرايات كالقلاع وفي غربها تتجاوز البيوت الصغيرة مزهوة بجدتها وحدائقها الخلفية تكتنفها من أكثر من ناحية حقول الخضر و النخيل والحناء وغابات التين الشوكي يشملها هدوء وسكينة لولا ازيز الترام الأبيض بين الحين والحين في مسيرته الرائعة مابين مصر الجديدة و العتبة الخضراء ويهب عليها هواء الصحراء الجاف فيستعير من الحقول اطيابها مثيرا في صدورها حبها المكنون ولكن عند الأصيل يطوف بشوارعها عازف الرباب المتسول بجلباب حافيا جاحظ العينين يشدو بصوت اجش لايخلو من تأثير نافذ :

آمنت لك يادهر
ورجعت خنتني..

 

 

من غيره يمكنه أن يطوع كلمات الوصف كما جاء في مقدمت تلك الرواية المدهشة… غشتمر للاديب نجيب محفوظ الذي اتكي على جدار القاهرة القديمة لينتج أجمل الأعمال التي اهلته لنيل جائزة الدولة التقديرية ونوبل وفي قشتمر كان هذا التاريخ الممتد الذي تناوله الكاتب كعادته مستخدماً شقف الناس بالتاريخ وبقصص القاهرة القديمة ووصف منازلها واسواقها ومعالمها الحضارية وهو يحكي قصة التعارف في مطلع الرواية الذي بدأ في العام 1951م في فناء مدرسة البراموني الأولية.

 

وهو لم يبارح محطات التاريخ الذي يجذب القاري بشكل كبير ثم إن روايات نجيب محفوظ هي كتاب التاريخ والزمان والمكان وفي هذه الرمزية يحكي قصة الراوي وهم خمسة من الأصدقاء جمعتهم الصداقة منذ الطفولة وحتى الشيخوخة اثنان منهم من العباسية الشرقية واثنان من الغربية بالاضافة الى الراوي وهو من الغربية لكنه خارج الموضوع لكن تظل العباسية ومقهى قشتمر هو المكان وفي أركانه تسجلت أصواتنا مخلدة بسمات ودموع وخفقات لاحصر لها في قلب مصر كما يقول الرواي.

 

لكن كل عاشق لنجيب محفوظ يسرح بخياله نحو التاريخ والذكرى في حواري مصر ومعالمها القديمة وهو يقول : جمعتنا الشوارع قبل أن نهتدي إلى قشتمر وميدان المستشفى و النخلة الرشيقة بحقل عم إبراهيم الممتد بين شارع مختار باشا من ناحية وبين الجناين من ناحية أخرى تطل عليها الحدائق الخلفية لمساكن كثيرة في العباسية الغربية.

ويواصل في التوصيف : في جنوبه تقع غابة التين الشوكي وفي شماله ناحية الوايلية تدور الساقية التي تروي وتنتشر حولها أشجار الحناء زافرة شذاها الطيب في العطلات الأسبوعية و الصيفية نجلس تحت النخلة المغروسة في وسطه تسيل افواهنا بالحقائق و الأساطير.

 

وميزة هذه الرواية هي التوصيف المدهش واستخدام اللغة الرفيعة ممزوجة بالمكان والتاريخ والذكرى والقاهرة حين كان يسودها الهدوء قبل انتشار هذه التكنولوجيا والحياة الصاخبة حيث بدأ بوصف منزل صادق صفوان الذي يقبع بين الجناين وبيت إسماعيل قدري سليمان بشارع حسن عيد وسرايا حمادة يسري الحلواني بميدان المستشفى وفيلا طاهر عبيد الارملاوي ببين السرايات ومن ثم واصل في سرد قصة فيلا طاهر عبيد.

 

ونجيب محفوظ حاضر الذهن في التوصيف مدهش في استخدام هذه المعالم العجيبة التي شكلت تاريخ القاهرة منذ أمد بعيد وحتى خمسينات القرن الماضي حيث كانت وماتزال مبهرة إلى حد الجنون وبها زكرياته هو نفسه وتلك الأماكن التي التي كان يجلس فيها ويركز في وصفها بدقة كما حدث في هذه الرواية.

 

واذا اردت ان تعرف ان لا حدود لخيال هذا الكاتب العظيم فطالع :
نعرف الشي الكثير عن حمادة يسري الحلواني وأسرته نشأة ملكية في السرايا الباشا صاحب أكبر مصنع للحلاوة الطحينية في القطر حلاوة أرق من الهواء محشوة بالفستق وفي السرايا مكتبة هائلة وان لم يتسع وقته للقراءة… رجل مال وأعمال رأيناه كثيراً في سيارته الفورد… ربعة بدينا مبروم الشارب خمري اللون تشع منه العظمة كما رأينا حرمه عفيفة هانم بدر الدين صورتها مقبولة و لكن فخامتها تفوق جمالها.

 

أن رواية قشتمر رواية للذكرى والوصف والتاريخ وهي تركز على تاريخ طويل ملي بالاناقة والوصف وجعل منها أديب نوبل علامة من علامات الأدب الواجبة الاطلاع والتحليل والدراسة لعاشقي الروايات وأدب العالمي بشكل كبير وقد قرأت هذه الرواية عدة مرات وفي ملفات نجيب محفوظ الأخرى تسرح بخيالك نحو التاريخ وهذه اللغة الرفيعة وتستفيد منها كما حدث لي فكتابات العالمي كانت تعلمني دوما أصول الكتابة ومنها تعلمت النقد الأدبي والفني ودرست تاريخ القاهرة القديم بشكل كبير للغاية جعلني لا استغرب لها كلما زرتها فالقاهرة عبارة عن مدينة تحتضن التاريخ من كل اتجاه وهي التي حركت مشعل الثقافة العربية بمجهودات الأديب العالمي وغيره من الكتاب الذين اجادوا في كتاباتهم لكن نجيب محفوظ له خصوصية ونكهة مختلفة للغاية في تناول الأحداث وتفصيلها ووصف الأماكن بدقة متناهية وحتى حياة الناس وصفاتهم فادهش واجاد وسيظل إلى الأبد بما كتبه خالداً في نفوس تلامذته وعشاق أدبه العظيم…

 

 

انتهت…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى