
نشر وزير الثقافة والإعلام والسياحة الأستاذ خالد الإعيسر بوست جديد على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قال فيه :
كفى تهاوناً وتلاعباً بمصير الدولة والشعب السوداني!
يعيش السودان اليوم حالة حرب، وتتمثل الأولوية القصوى في حماية الأرواح، وصون وحدة المجتمع، ومنع الانقسام، والعمل على دعم الاستقرار. وفي مثل هذا الظرف الدقيق، فإن أي تحركات تُدار خارج مقتضيات الواقع الوطني تسهم في تعميق الانقسام، وتفتح المجال أمام استغلال داخلي أو خارجي يستهدف إضعاف الجبهة الداخلية. وتزداد خطورة المشهد حين يكون في مقدمة هذه التحركات بعض من أسهموا سابقاً في إشعال الحرب عبر تعاونهم مع الميليشيات والمرتزقة والدول التي سعت إلى تدمير البلاد ونهب مواردها.
أما الاتكاء على شعار الديمقراطية لتبرير هذا المسار، فهو توظيف انتقائي للمفهوم يفتقر إلى المصداقية، لا سيما حين يصدر عن أطراف انتهكت السلم الأهلي وأسهمت في تمزيق النسيج الوطني وتدمير المنشآت الخدمية.
إن الديمقراطية، بوصفها قيمة إنسانية ومطلباً وطنياً، لا خلاف على ضرورتها ولا على السعي إليها، غير أن تحقيقها لا يكون عبر ممارسات تزيد من الفوضى، ولا من خلال وسائل تهدد وحدة المجتمع وتقوض استقرار الدولة، بل عبر مسارات مسؤولة وأدوات سلمية رشيدة تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة والشعارات الجوفاء.
لقد تغيّر الواقع بعد أن وصل السودان إلى ما هو عليه من دمار وقتل وتشريد وانتهاكات جسيمة، وهو ما يفرض ضرورة إعادة فرض هيبة الدولة، وقطع الطريق أمام العملاء الذين حوّلوا مشروع التغيير إلى عمالة وارتزاق وتدخلات خارجية غير مبررة، في حين أن الثورة قامت أصلاً لتصحيح هذا المسار. فلا يمكن لمن أشعل نيران الحرب، وانتهج سياسات إقصائية ألغت الآخرين، أن يدّعي الحرص على الديمقراطية، متجاهلاً النتائج الكارثية لأفعاله السابقة التي دمّرت الدولة والمجتمع.
يتعرض السودان اليوم لعدوان خارجي مكتمل الأركان، دفع دول الجوار المرتبطة معه بمصالح الأمن القومي والمصير المشترك إلى التلويح بتفعيل اتفاقيات تهدف إلى حماية أمنها وأمن السودان. وقد بلغت هذه المرحلة درجة من الخطر تستوجب عدم التهاون أو التلاعب بمصير الدولة والشعب السوداني.
إن ما تشهده البلاد من اعتداءات على المدن، في ظل محاولات تبرير هذه الأفعال من قبل أنصار وداعمي الميليشيات، يفرض واقعاً يستدعي وقفة وطنية جادة وحازمة لوضع حد لحالة الفوضى التي لم تُبقِ في السودان سوى التشريد والانتهاكات والنهب والسلب، فضلاً عن تدمير المنشآت والبنية التحتية والممتلكات الخاصة.
كما أن الإساءة للسلطات الأمنية والشرطية، أو التشهير بها بشكل من شأنه تقويض عملها وإضعاف قدرتها على حماية المواطنين، تُعد مخالفة قانونية صريحة تتعارض مع روح الديمقراطية الحقيقية ومبادئ الحريات المشروعة. فالديمقراطية لا تعني السماح بالتجريح أو التقويض المتعمد لمؤسسات الدولة التي تقوم بحماية المجتمع، بل تقتضي احترام الأجهزة الرسمية والعمل ضمن الإطار القانوني، لضمان الأمن والاستقرار وحماية الحقوق الأساسية لجميع المواطنين دون استثناء.
كما تبرز في هذا الظرف المصيري ضرورة إسناد ظهر القوات المسلحة السودانية، والقوات المساندة، والمستنفرين، الذين يخوضون معركة الدفاع في الميدان بروح وطنية عالية، دفاعاً عن شرف الأمة، وحمايةً لمصالحها العليا، وصوناً لأراضيها من مخاطر التقسيم، ونهب الموارد، والارتهان للأجندات الخارجية. ويجب أن يُصاحب هذا الدعم احترام أرواح الشهداء والمصابين والمفقودين، ومن ضحوا بأعز ما لديهم من أجل أن تصل البلاد إلى واقع جديد يسوده الأمن والاستقرار. فهؤلاء يشكلون خط الدفاع الأول عن الدولة السودانية ووحدتها وسيادتها، ويقع على عاتق الجميع واجب وطني وأخلاقي في دعمهم والوقوف خلفهم، وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية، باعتبار أن استهدافهم معنوياً أو سياسياً لا يخدم إلا أعداء الوطن والمتربصين به.
وعليه، فإن رفع شعارات الديمقراطية دون الالتزام بجوهرها، ودون احترام شروط ممارستها السليمة، يجعل تلك المطالب غير واقعية وغير قانونية، ويفقدها المصداقية، ويحوّلها إلى أداة تهديد لاستقرار البلاد، لا سيما حين تصدر عن جهات بعيدة كل البعد عن قيم الحرية والديمقراطية والممارسة المسؤولة للحقوق التي كفلتها القوانين.
خالد الإعيسر
وزير الثقافة والإعلام والسياحة
الجمعة 19 ديسمبر 2025م



