من مستصغر الشرر… 19 ديسمبر والصوت الواحد: حين تتحول الشعارات إلى فوضى

الحاكم نيوز :

كلام سياسة الصافي سالم

يقول المثل: من مستصغر الشرر يكون الحريق. وما جرى اليوم في مظاهرات 19 ديسمبر يقدّم مثالاً صارخاً على كيف يمكن لشرارة صغيرة، حين تُترك بلا وعي ولا تقدير للظرف الوطني، أن تتحول إلى نار تهدد ما تبقى من استقرار البلاد.السودان يعيش واحدة من أعقد وأقسى لحظاته التاريخية. معركة الكرامة ليست شعاراً عابراً ولا مزايدة سياسية، بل واقع دموي دفعت ثمنه القوات المسلحة، والقوات المشتركة، والأجهزة الأمنية، والمستنفرون، بعشرات الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى. هؤلاء لم يخرجوا طلباً لمكسبٍ سياسي، بل دفاعاً عن وطنٍ كاد أن يُختطف بالكامل.في خضم هذا النزيف الوطني، تخرج مظاهرات في توقيتٍ لا يمكن وصفه إلا بالكارثي. فبدلاً من توحيد الجبهة الداخلية، تأتي هذه التحركات لتفتح ثغرات في الجدار الوطني، وتشغل الناس عن معركة الوجود، وتمنح صعاليك السياسة والخلايا النائمة فرصة ذهبية لإرباك المشهد وبث الفوضى. ليست المشكلة في الحق في التعبير، فذلك حق أصيل، وإنما في سوء التقدير السياسي وعمى البصيرة الوطنية. حين تكون البلاد في حالة حرب، فإن أي تحرك غير محسوب العواقب يتحول من فعلٍ احتجاجي إلى أداة هدم، ومن شعارٍ ثوري إلى وقود للفوضى في أبهي صورها.ما يحدث اليوم لا يخدم الشعب، ولا يخفف معاناته، ولا يقرّبه من السلام، بل يضاعف كلفته الإنسانية والسياسية. فالفوضى لا تبني دولة، والصوت الواحد لا يصنع وطناً، والتاريخ لا يرحم من أشعل النار ثم تباكى على الحريق.إن أخطر ما في هذه المظاهرات أنها تخلط الأوراق، وتربك الأولويات، وتبعث برسالة خاطئة مفادها أن معركة الكرامة يمكن تأجيلها أو المساومة عليها. وهذا وهم قاتل.فالكرامة لا تتجزأ، والوطن لا يُدار بالعواطف، بل بالوعي، وترتيب الصفوف، وتقديم المصلحة العليا فوق كل اعتبار.اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى إطفاء الشرر قبل أن يستعر الحريق، وإلى خطابٍ مسؤول يدرك أن الفوضى، مهما تلونت بالشعارات، تظل فوضى… ونتائجها يدفع ثمنها الجميع بلا استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى