أخر الأخبار

محيي الدين شجر يكتب : حج 1446هـ.. حينما يتحول النقد إلى عادة سودانية سيئة

بقلم: محيي الدين شجر

اندهشت حقًا من سيل الانتقادات والاتهامات التي طالت خدمات الحج لهذا العام 1446هـ، ودهشتي لم تكن من حجم الحديث فحسب، بل من طريقة تداوله، وحرص البعض على تضخيم الهفوات وطمس الإنجازات. لوهلةٍ، كدت أصدق بعض ما قيل، لولا أنني كنت شاهدًا على الحدث، وحاجًا بين آلاف الحجاج السودانيين الذين أدوا الفريضة هذا العام.

في لحظة تأمل، قال لي ابني محمد – وهو طالب جامعي يتابع باهتمام ما يُكتب عن موسم الحج – معلقًا على صورة جمعتني بزميلي جعفر باعو: “يبدو أن البعض لا يعجبه أن الحج أصبح سياحة منظمة، فراحوا يبحثون عن أي زلة ليقللوا من قيمة ما تحقق”. وأضاف بحكمة غير متوقعة: “أسوأ ما في بعض السودانيين أنهم لا يحبون النجاح لغيرهم، بل يتمنون الفشل، ويفتشون عن العثرات، ويعملون جاهدين لإفشال من ينجح”.

كلام ابني – رغم صغر سنه – لامس لب الحقيقة. فمشهد انتشار مقطع فيديو لحاج يحتج على أنه ركب “في السطح” على متن الباخرة ويتحدث عن تردئ الخدمات ، مع تجاهل كامل للنقلة النوعية في الخدمات وللباخرة التي نقلت الحجاج ، يعكس بوضوح أن هناك من لا يرى إلا النصف الفارغ من الكوب.

صحيح أن بعض الحجاج أبدوا ملاحظات على الطعام أو الفنادق أو وسائل النقل، لكن لا يمكن لمثل هذه الملاحظات – وهي طبيعية في أي خدمة بشرية – أن تطمس حجم التطور الذي شهده موسم الحج هذا العام، والذي نُفذ بإشراف مباشر من المجلس الأعلى للحج والعمرة.

من الجحيم إلى التنظيم

من عاش مواسم الحج في الأعوام السابقة، يعلم تمامًا كيف كانت المعاناة: بواخر متهالكة، طائرات غير مريحة، فنادق سيئة، وخدمات طعام لا ترقى للمستوى. أما اليوم، فثمة نقلة حقيقية يشهد بها منصفو القوم، لا من اتخذ النقد وسيلة لتصفية الحسابات أو التعبير عن الغبن الشخصي.

أنا لا أكتب لأرضي مسؤولًا، ولا أزين الواقع كي أكسب رضى أحد. بل أكتب بصفتي شاهد عيان، أدى المناسك ورأى بعينه، وسمع من مئات الحجاج من ولايات مثل الشمالية ودارفور الكبرى والبحر الأحمر والجزيرة وولايات اخرى كثيرة ، وكلهم أجمعوا على جودة الخدمات، دون أن أطلب منهم رأيًا أو أوجه لهم حديثًا.

والأجمل، أن الحجاج أنفسهم – ولأول مرة – هم من اختاروا حزم الخدمات من خلال أمناء الحج بالولايات الذين حضروا إلى مكة وتلقوا تدريبًا واختاروا الفنادق ونوعيات الطعام والنقل بأنفسهم، دون أي تدخل مركزي. وهذه خطوة إصلاحية كبيرة يجب أن تُشكر لا أن تُقابل بالتشكيك.

حملة ممنهجة.. وامتيازات مفقودة

من الواضح أن ما يُثار من ضجيج ليس بريئًا، بل حملة ممنهجة من أطراف فقدت نفوذها ومصالحها في موسم الحج، بعدما تم ضبط الملف وتحسين الأداء. وهؤلاء لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، كما يقول المثل الشعبي السوداني.

من زار المدينة المنورة هذا العام من الحجاج السودانيين، عاد بانطباعات مشرفة عن الخدمات المقدمة، وأشاد بمسؤولي الحج والعمرة هناك، في الوقت الذي ظل فيه البعض يصور المشهد وكأنه كارثة.

خاتمة: لا تحجبوا الشمس بغربال

أقولها بصدق وتجرد: موسم حج 1446هـ كان مختلفًا، وكان ناجحًا إلى حد كبير. نعم، هناك هنات وثغرات، لكن من منّا معصوم من الخطأ؟! ما تم هذا العام تجربة بشرية قابلة للتطوير، لكنها بكل المقاييس خطوة في الاتجاه الصحيح.

أحيي المجلس الأعلى للحج والعمرة على هذه النقلة، وأدعوه ألا يلتفت للأصوات المغرضة، فالحقيقة كالشمس، لا تُحجب بغربال. وسأنقل في مقالات قادمة، مزيدًا من الإشراقات التي رصدتها في هذا الموسم، لتكتمل الصورة أمام القارئ السوداني بعيدًا عن التهويل والتشويه.

برافو لكل من عمل بصمت.. ولكل من جعل حج هذا العام خطوة للأمام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى