أخر الأخبار

“وجدي صالح” في حلقات: يتحدث عن كل شئ

حوار : صديق دلاي

الحلقة الأولى

الخطوط:
نعم، أنا من أقصى الشمال، ومازلت أعتز بمعلم من أم كدادة.
أبوي من رواد التعليم الأهلي في أرقين، وعمل مصححا في الجرايد اليومية.
الصمود والحسرات . هذا هو ما لم يكتبه التاريخ في قصة التهجير.
ناس عبود وقعوا الإتفاقية ولا يعلمون أي شئ عن وادي حلفا.

× الأستاذ وجدي؟
أهلا وسهلا.
× أنت من أقصى الشمال؟
– من أرقين.
× مع معبر أرقين؟
– ولكن أرقين الحقيقية ترقد تحت المياه.
× غمرت؟
– غمروها.
× أنتم في الحدود مع مصر؟
– حدودنا في فرس تحت المياه قريبا من أسوان.
× أنت إذن من مواليد أرقين؟
– أنا من مواليد حلفا الجديدة بعد التهجير.
× أنت من جيل التهجير؟
– جدي وجدتي ظلوا في حلفا القديمة،
ورفضوا التهجير مطلقا.
× قصة حلفا المغمورة؟
– حزن دائم، لمن يعرف قساوة التهجير من الأرض الأصلية أرض الجدد والنشأة والميلاد.
× مهنة الوالد مع النيل؟
– أبوي يعمل في هيئة البحوث الزراعية في محطة أبحاث حلفا.
× عشت طفولة عادية ولكن بعيدا عن أرض الجدود؟
– نعم.
× لديكم تداخل تاريخي مع نوبة مصر شمال الوادئ؟
– أصلا.. نفسيا لا توجد حدود، ولدينا أهل هناك، ويوجد تواصل وتزاوج من قديم الزمان، ونحن أهل، نتحدث ذات اللغة، ونعيش ذات التقاليد.
× قصة التهجير؟
– لم ترو بعد كما هي وكما ينبغي.
× زمن المدرسة؟
– في حياتي الأولي مدرستان، مدرسة دبيرة في حلفا القرية 3، وكان أبي يعمل في محطة الأبحاث، وكان منزلنا مجاورا للمدرسة
× نشأة مؤكدة في الريف؟
– ريف حلفا كان أشبه بالريف الإنجليزي، متوفر فيه كل الإحتياجات.
× وماذا في الذاكرة عن مدرسة دبيرة الإبتدائية؟
– لن أنسى أبدا أستاذ محمد أدم جديد، من أم كدادة.
× تعتز به؟
– أعتز به جدا.
× لماذا محمد أدم جديد بالتحديد؟
– كان معلما مختلفا، يشجعنا ويعاملنا مثل أبنائه، وفي تصحيح الواجب المدرسي يعدل الخطأ، ثم يعطيك الدرجة الكاملة، ويحفزك بالأمتياز.
× كان تربويا ؟
– كان معلما تربويا بحق وحقيقة، يعزز الثقة في نفوس تلاميذه.
× وبعدين؟
– نقلوه الى دارفور لأن التعليم كان مركزيا، ويمكن أن تكون معلما في أقصى الشرق، فتجد نفسك منقولا الى أقصى الغرب.
× كيف كان وداعه؟
– في أخر حصة له كتب عنوانه على السبورة.. وكان صندوق البريد.
× صندوق البريد في أم كدادة؟
– ونحن تلاميذ في الصف الثالث الإبتدائي.
× ربما كان البريد والبرق محدود الانتشار؟
– بل كان للبريد والبرق “شنة ورنة”، وكان في قريتنا وحدها مكتبان للبريد والبرق.
× هل كتبت للمعلم الذي تعتز به وهو في ام كدادة بعيدا عن حلفا الجديدة؟
– كتبت له خطابا بلغة تلميذ في ثالثة إبتدائي.
× على ورق فلسكاب؟
– طبعا، نعم.
× توقعت الرد؟
– بعد فترة وجيزة وصلنا عامل مكتب البريد، وسلمني خطابا من أم كدادة للمدرسة، ومعه صورة باسبورت للذكرى، وشجعني فيه علي مواصلة الجهود والتقى في سلم التعليم.
× هل ما زلت محتفظا بهذا الخطاب؟
– ما زلت محتفظا به. وبالصورة، ومن قريب ذكراه في لقاء تلفزيوني.
× لعله مازال موجودا؟
– موجود ، و تواصلنا.
× متى ظهرت ميزة الإهتمام بمستقبلك؟
– عند إمتحان الشهادة الثانوية.
× هل كنت تخطط لدراسة القانون؟
– كان في بيتنا محامي يغشانا بسبب إرتباطه بقضايا له في بورتسودان، و كنت معجبا بحياة المحامي هاشم.
× لم تهتم في ذلك العمر بالسياسة؟
– إلا في المرحلة الثانوية.
× كنت تظن أن تهجير أهلك ظلما هو ما دعاك إلى دراسة القانون والحقوق؟
– ربما كان ذلك سببا خفيا، وأنا مرتبط جدا بأهلي وبمجتمعي.
× جدك صالح عثمان بقي لوحده في حلفا القديمة؟
– أجبروه، ومعه جدتي.
× ما الذي لم يقل بعد عن قصة التهجير؟
– الحكايات الصغيرة والمهمة عن الصمود والحسرات، ومفارقة الديار.
× والحزن المستمر؟
– وضياع كثير من الأثار القيمة تحت تلك المياه التي أغرقت الدور والشجر والمأذن والتاريخ.
× ما الذي كان من الممكن عمله أنذاك في هذه الحكاية(حكاية التهجير)؟
– كان يمكن تعمير مدينة جديدة قريبا من حلفا القديمة..
× دعنا نعود لأرقين، وكان أبوك في الأبحاث الزراعية؟
– أبي من رواد التعليم الأهلي في أرقين، وعمل مصححا في الجرايد القديمة مع الاستاذين بشير محمد سعيد، ومحجوب محمد صالح.
× أشرت لخيار البقاء قريبا من حلفا القديمة؟
– نعم لأن أرض البطانة بعيدة عن النيل، وعن إصولنا الأولى، وهذا أمر حزين جدا لمن يعرف أهمية الجذور.
× مع الإفتراض … هل كنت ستبقى مع جدك بالجهة الشرقية في حلفا القديمة وحيدين؟
– نعم، هذا مؤكد
× بأثر رجعي.. كيف تعلق عن إتفاقية إغراق حلفا بإتفاقية مع دولة مصر؟
– أكتشفنا أن جماعة الفريق عبود وقعوا تلك الإتفاقية، وهم لا يعلمون شيئا عن وادي حلفا.
× مثلا؟
– هل تصدق أن حلفا قبل التهجير كان فيها فنادق، وكانت قبلة للسياحة والتزاور والتجارة والعلم ، وفيها سينما متجولة، حتي كتب الأستاذ فكري قاسم كتابين عن جدي صالح.
× هل حاولت الكتابة عن ذلك التراث المحور الباقي في أذهان الكبار؟
– يكتب خالي عبد الرحمن خالد عثمان بإستمرار.
× يقال بين كل حلفاوي وأخر حكاية عن حلفا القديمة؟
– طبعا وسيظلون يحكون للأجيال اليافعة عن تلك الماسأة، وعن مخزون الأثار الذي ضاع تحت مياه البحيرة التي تمددت خلف السد.
× أكتب لنا سطرا تاريخيا عن حلفا القديمة؟
– هناك من غادر بيته وأغلق بابه بالضبة والمفتاح، وهو يظن أنه لا محالة عائد للديار تارة أخرى.
× جربتم ظلم التاريخ؟
– نعم، قريتنا وما فيها تحت المياه.
× حلفا القديمة بعيدة عن أي تاثيرات على بقية جغرافية السودان؟
– بل كانت سودانا مصغرا بكل ما فيه من تراث وثقافة واعمار و تأثير في حياة أهل السودان قاطبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى