نفسح المجال هذا اليوم لقلم أستاذنا الكبير “عمر حسن الطيب هاشم” الخبير التربوي ومعلم وأستاذ مادة التاريخ الذي تلقيت العلم على يديه في المرحلة الثانوية، وهي جديرة بالإطلاع.
ذكرى الحرب العالمية الأولى 1914م
بروسيا إحدى المقاطعات الألمانية تولى الحكم الملك “وليم” الأول ورئيس الوزراء “بسمارك” أحد دهاقنة السياسة الأوروبية الذي أراد توحيد المقاطعات الألمانية تحت أمره بروسيا بطريقته الذكية، وذلك عن طريق هزيمة الدول الأوروبية التي تسيطر على هذه المقاطعات (وهزم الدنمارك والنمسا) وفي عام 1870م، هزم فرنسا التي كانت بقيادة نابليون الثالث الذي سلم سيفه لـ”بمسارك” في قصر فرساي (وسميت الحرب بحرب السبعين).
وتم توحيد ألمانيا بقيادة بروسيا وأصبح الملك “وليم” الأول إمبراطور لألمانيا والرجل الحديدي “بمسارك” مستشاراً لألمانيا وتجلى ذكاء “بسمار” في المحافظة على الوحدة الألمانية عن طريق إقامة الأحلاف بعد أن حطم كبرياء فرنسا أعظم الدول البرية في أوروبا وكادت فرنسا أن تسيطر على مصر بعد افتتاح (قناة السويس 1869م) زمن الخديوي المصري “إسماعيل” الذي كان خاضعاً لمهندس قناة السويس القدير “فيرد نند ديلسبس”.
الذي أشرف على حفر قناة السويس منذ 1853م، كما استولى “بسمارك” على أقاليم الألزاس واللورين الغنية بمناجم الفحم الحجري والحديد) وقد سعت فرنسا جادة لاستعادة نفوذها بهزيمة ألمانيا حتى 1875م، عندما عرض الخديوي “إسماعيل” أسهم قناة السويس المصرية للبيع وفكرت فرنسا الشراء، ولكن إنجلترا هددتها بالتحالف مع ألمانيا رد حليفة النمسا وروسيا) وهنا تنازلت فرنسا لإنجلترا التي اشترت الأسهم المصرية وأصبحت قناة السويس شركة فرنسية إنجليزية وبالتالي أطلقت يد سيدة البحار إنجلترا للسيطرة على مصر 1882م، والسودان 1898م،.
وفي نهاية القرن التاسع عشر أعتلى عرش ألمانيا الإمبراطور الشاب “وليم” الثاني الذي اهتم بتطوير الجيوش البرية وتطور الأساطيل والغواصات البحرية، وأصبحت ألمانيا تعادل قوة فرنسا البرية وإنجلترا البحرية معاً.
وكانت نيران الاستعمار قد استعرت بين إنجلترا التي أرادات أن تسيطر على أفريقيا من الشمال مصر إلى الجنوب رأس الرجاء الصالح وهدفت فرنسا السيطرة على أفريقيا من الشرق للغرب وكان لا بد من نقطة تصادم، وكان ذلك عام 1898م، عندما غزا “كتشنر” السودان بعد معركة كرري وكان القائد الفرنسي الجنرال “مارشام” قد استولى على فشودة في جنوب السودان ورفع العلم الفرنسي وتحرك “كتشنر” إلى فشودة ورفع العلم المصري بحجة أن فشودة تابعة للخديوي “عباس الثاني” وكادت الحرب أن تنشب بين “كتشنر” و”مارشان” لولا حكمة وزير خارجية فرنسا “لكاسية” مهندس السياسة الفرنسية وانسحب “مارشان” من فشودة التي انتهت من خارطة السودان وسميت “كدوك” وكانت هذه الخطوة فاتحة لتحسين العلاقات الفرنسية البريطانية وعقد الوفاق الودي 1904م، المجابهة ألمانيا وتم الاتفاق بأن تطلق فرنسا يد إنجلترا في مصر.. على أن تطلق إنجلترا يد فرنسا في مراكش.
وهنا ظهرت أزمات ادت إلى قيام الحرب وأول هذه الأزمات حدثت 1905م، أزمة مراكش وسببها أن الإمبراطور الشاب “وليم الثاني” لم يرض بالوفاق الودي وقام بزيارة مراكش معلناً بأن سلطان مراكش ودعا لعقد مؤتمر للنظر في أمر الوفاق الودي وعقد مؤتمر الجزيرة بلد في أسبانيا ولعبت الدبلوماسية دورها وأيدت السيطرة الفرنسية على النواحي الاقتصادية (المالية) والعسكرية في مراكش، ولم تهدأ أوروبا وحدثت في 1908م، أزمة البوسنة وتحركت صربيا تساعدها روسيا ضد النمسا التي أيدتها ألمانيا ونصحت فرنسا وإنجلترا (روسيا التي كانت ترعى المذهب المسيحي الأرثوذكس مذهب دول البلقان ومنها صربيا، بالانسحاب.
وفي 1911م، حدثت أزمة أغادير بسبب ثورة القبائل المغربية على سلطان مراكش بسبب استيلاء فرنسا على فاس ورفض الإمبراطور “وليم الثاني” التدخل أغادير وكادت وثبة الفهد أن تشعل الحرب ولكن فرنسا تنازلت للإمبراطور عن بعض أملاكها في أفريقيا.
وفي عام 1914م، رأت النمسا أن تؤكد سيطرتها على البوسنة وأرسلت ولي عهد النمسا الأمير فرانسيس فيردنند “فرانسيس فيردنند” وعقيلته إلى سيراجيفو عاصمة البوسنة ولكن جمعية اليد السوداء وقررت التدخل واستطاع الطالب الصريبي “غفر يلو رانسيب” من إطلاق النار من مدرسة على والعهد وعقيلته في 27/7/1914م، في شوارع سراجيفو أثناء مرور موكب ولي العهد واردته قتيلاً وعقيلته وكانت أزمة سراجيفو سبباً في قيام الحرب العالمية الأولى، وهنا أرسلت النمسا لصيربيا إنذاراً خطيراً لمدة (24 ساعة) لم تقبله صربيا واعتبرته تدخلاً على سيادتها وأعلنت النمسا الحرب على صربيا 28/7/1914م، وهنا روسيا حليفة صربيا الحرب على النمسا 29/7/1914م، وأرسلت ألمانيا إنذاراً لروسيا بإيقاف الحرب وإلا أعلنت عليها الحرب ولم تقبل روسيا الإنذار وأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا وهنا أعلنت إنجلترا وفرنسا الحرب على ألمانيا.
ورغم أن الحرب أوروبية إلا أنها امتدت العالم الإسلامي وفي ديسمبر 1914م، أعلنت إنجلترا الحماية البريطانية على مصر لحماية قناة السويس وهنا انضمت تركيا لمعسكر دول وسط أوروبا ألمانيا والنمسا ضد الحلفاء إنجلترا وفرنسا وروسيا، وبالرغم من براعة الألمان في الحرب إلا أن النمسا وتركيا أضعفتا من قوتها لأنها أرسلت جيوش ألمانية بقيادة القائد “هندنيرج” لمساعدتها لإيقاف زحف القوات الروسية ولما أنهكت الحرب الشعب الروسي وقامت ثورة شعبية ضد القيصر بقيادة “كرنسكي” المحامي الذي استمر في الحرب وهنا ظهرت براعة المخابرات الألمانية بمساعدة لينين” و”تروتسكي” و”ستالين” من الوصول إلى روسيا والسيطرة على الأوضاع بقيام الثورة البلشفية لينين الذي انسحب من الحرب في أواخر 1917م.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى ظهرت فن أسلوب المعاهدات السرية وعقدت إنجلترا وفرنسا اتفاقية سايكس ييكو لتقسيم أملاك الدولة العثمانية ونجحت إنجلترا في كسب ود العرب باتفاقية “حسين مكما هون” للثورة على الأتراك.
وقد ظهرت براع الألمان في النواحي البحرية وحققت الغواصت الألمانية انتصارات على البحري البريطانية أفقدتها السيطرة على البحار، وهنا ظهرت عبقرية اليهودي وإيزمان في اختراع قنابل الأعماق التي حدت من خطورة الألمانية عندما أصابت سفينة بريطانية كان من ضمن ركابها القائد الإنجليزي اللورد “كتشنر” وزير الحربية، وانتهت حياته على الغواصات الألمانية.
وقد أراد ساسة إنجلترا “لويد جورج” رئيس الوزراء و”تشرشل” وزير المستعمرات و”جيمس ارثر بلفور” وزير الخارجية شراء السلاح الخطير بالمبلغ المطلوب وكانت دهشتهم حين رفض “وايزمان” المبلغ ولكن طالب بإعطاء اليهود وعد يحقق لهم أمانيهم بأن تصبح فلسطين وطن قومي لليهود وكان وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر 1917م.
ومن سوء حظ الألمان وحسن حظ الحلفاء بعد خروج روسيا من الحرب أن الغواصات الألمانية أصابت سفينة ركاب أمريكية (لويزيانا) حمولتها ألف راكب وعند ذلك دخلت أمريكا الحرب وتحولت هزيمة الحلفاء إلى انتصار وانتصار ألمانيا إلى هزيمة وانضمت إيطاليا للحلفاء وهنا سلمت النمسا وتركيا للحلفاء وأخيراً تدخل البابا الكاثوليكي في الفاتيكان “بندكت” لإيقاف الحرب، وانتهت الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من شهر نوفمبر عام 1918م ، الساعة الحادية عشر صباحاً بمعاهدات الصلح وسلم الرئيس الفرنسي “كليمنصو” الملقب بـ(النمر) وسلم معاهدة
فرساي لألمانيا 1919م، وسلمت النمسا معاهدة سان جرمان 1919م، وكان الرئيس الأمريكي “ودرو ولسن” قد وضع أربعة عشر مبدأ سميت مبادئ “ولسن” أهمها :
حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة.
إقامة عصبة للأمم لإقرار السلام العالمي 1919م.
عمر حسن الطيب هاشم
معلم تاريخ الهاشماب
Email : sagraljidyan@gmail.com