علي عسكوري : وداعا للملك : ستظل خالدا ما بقيت ملاعب الكرة

نعت اخبار الامس اللاعب الاسطورة اديسون ناسيمنتو الشهير بي بيليه.

دون شك لقد كان وقع الخبر مؤلما وحزينا على كل الرياضيين لاعبين ومشجعين للعبة كرة القدم.

وحقيقة يرجع لبيليه فضل كبير في نشر اللعبة وتحبيب الناس فيها. فبيليه يظل اللاعب الوحيد الذى فاز بكاس العالم لبلاده ثلاث مرات (١٩٥٨، ١٩٦٢، ١٩٧٠). وقد شارك بيليه في كاس العالم وعمره ١٧ سنة وعدة شهور كاصغر لاعب يشارك في المنافسة وفي المبارة النهائية التى احرز فيها هدفين… وكان هدفه الثانى الذى رفع فيه الكرة فوق قلب دفاع السويد ليستقبلها من خلفه ثم يسددها في المرمى مثار تعليق وتحليل الخبراء لعقود اذ لم تكن تلك الخدعة معروفة في ميادين الكرة.
اضاف بيليه ايضا فنيات اخرى في اللعب واليه يرجع اصل لعبة (الدبل كيك) كما يقال عندنا في السودان او لعبة العجلة كما تعرف عالميا اذ لم تكن معروفة قبله.

ولد بيلية في أسرة فقيرة في احد الاحياء الشعبية بضاحية (تريس كاركويس) في البرازيل العام ١٩٤٠، في اسرة شديدة الفقر، وقد حكى في كتابه عن سيرته الذاتية كيف انهم كانوا يسكنون في بيت لا يحمى سقفه الامطار منهم فتتعب والدته لحمايتهم من المطر… ومن يقراء الكتاب يشعر بعزيمة وموهبة الرجل الذى انطلق من لا شيء ليصبح اسطورة كرة القدم يعرفه البشر في جميع انحاء الارض. ويعتبر الراحل من اكثر المشاهير الذين تم التقاط صور لهم بجانب الراحلة ليدى ديانا ومارادونا ولينول ميسي.

وبيلية رغم العنف الذى واجهه من المدافعين لم يطرد قط في مباراة.. والمباراة الوحيدة التى قرر الحكم طرده منها – مباراة ضد كولمبيا- احتجت الجماهير في الملعب وهددت باقتحامه وتم تغيير الحكم ومواصلة المباراة واحرز بيلية فيها هدفين (تحتاج القصة لتأكيد وان كان بيلية قد اشار لها في احد تويتاته).

في نيجيريا عام ١٩٦٩ قرر اطراف النزاع في حرب (بيافرا) وقف اطلاق النار لمدة ٤٨ ساعة عندما زار فريق سانتوس الذى يلعب له بيلية نيجيريا في جولته الافريقية حتى يتمكنوا من مشاهدته وعاد الطرفان للقتال بعد مغادرة فريق سانتوس.

عاد سانتوس مرة اخرى لزيارة افريقيا عام ١٩٧٣ زار من ضمنها السودان ولعب ضد الهلال في مباراة شهيرة شارك بيليه فيها.

لم يعرف عن بيلية انه تحدث عن حقوق السود مطلقا بصورة علنية رغم ان ثورة الحقوق في امريكا كانت في اوجها بقيادة مارتن لوثر كنج بينما كان نجم بيلية قد بلغ الافاق، ويتهم بعض ناشطى الحقوق بيليه بتعاونه مع الجنرال (ميديسي) ديكتاتور البرازيل السابق عندما وقف بجانبه رافعا كاس العالم عام ١٩٧٠ الذى فازت به البرازيل في دورة المكسيك.

لم اعثر لحديث لبيليه في السياسة، وقضايا حقوق السود كما لم اعثر لحديث له عن العنصرية في الملاعب وان كان قد عانى منها ام لا…! ويبدو ان طبيعة شخصيته التى تتجنب المعارك السياسية بجانب تركيزه على كرة القدم لم يتركا له وقتا ليتحدث في قضايا سياسية، او انه اختار ادارة الصراع بالطرق التى يعرفها.
فالثابت ان بيلية ارتبط بعلاقة صداقة قوية بالراحل محمد على كلاى اسطورة الملاكمة وكان معجبا به، وكلاى كما هو معروف خاض معارك ضخمة ضد الحكومة الامريكية و رفض الذهاب للحرب في فيتنام ومهاجمته للبيض الخ… ولاشك ان بيليه كان على علم بتلك المواقف قبل ان يلتقي محمد على العام ١٩٧٧ في نيويورك في مباراة اعتزاله لكرة القدم، حيث نزل محمد على الى ارض الملعب وعانق بيليه وصحبه الى غرفة اللاعبين.
عند رحيله وصف بيليه في تغريدة ان محمد على ” صديقى، ومحبوبي وبطلي”. وقال بيليه في تغريدته انهم احتفظا باتصال دائم.
لكل ذلك من العسير جدا الا يكونا قد ناقشا قضايا الحقوق بالنسبة للسود وقد كانت في اوجها، وربما اختار كل منهما ان يحارب بطريقته، فالاثنين افارقة عانى اجدادهم من الاسترقاق والاضطهاد كما قال محمد على بعد الحكم عليه بالسجن عندما رفض الذهاب للحرب في فيتنام: ” لقد سجنت ٤٠٠ سنة ماذا يعنى اضافة ٤ او ٥ سنوات اخرى لها”. ثم لاحقا عندما جاء الى افريقيا عام ١٩٧٤ ليلعب مباراته الشهيرة في الكنغو ضد جورج فورمان: ” ان افريقيا هى ارض الرجل الاسود.. وانا سعيد ان العب مباراتى وسط اخوانى”.

لكل ذلك من الصعب القول ان بيليه لم يكن واعيا بحقوق الافارقة سواء في امريكا او البرازيل وقد كانت معارك محمد على ضد الحكومة الامريكية حديث العالم كما كانت سمعة بيلية قد طبقت الافاق واصبح اشهر شخصية على مستوى العالم. ولو كان بيلية متنكرا لحقوق الافارقة لما اختار ان يرتبط بعلاقة لصيقة بمحمد على، والراجح ان كل منهما اختار ان يحارب بطريقته. واعتقد ان الذين يتهمون بيلية بعدم الاهتمام بقضايا الحقوق يظلمونه ويتجاهلون انه وضع موهبة وقدرة الانسان الافريقي على مستوى العالم وهو شاو لم يبلغه غيره من نجوم اوروبا او غيرها. لقد خاض معركة الرجل الاسود بموهبته وكسبها.
يعود لبيلية وضع لعبة كرة القدم في مستوى جديد من الابداع والامتاع، ودون شك قام بنقل كرة القدم نقلة نوعية وزاد من شهرتها وبين واضاف لها الكثير من الجماليات التى لم تعرف من قبله، فما ذكرت كرة القدم الا وذكر الناس بيليه.

لقد قدم بيلية للانسان الافريقي خدمة وشهرة لم ينالها احد من قبله من السود ولا حتى باراك اوباما الرئيس الامريكي الاسبق. فاليوم ومع رحيله ومع انتشار الوسائط يشاهد مئات الملايين صورة الراحل كأشهر لاعب في التاريخ يصعب ان تنجب الملاعب مثله وهو رجل افريقي كامل الدسم ولو كره الاخرون..!

ستظل ذكراه خالدة متى ما لعبت كرة القدم، وسيظل فوزه بكاس العالم لثلاث مرات عصيا على اللاعبين تحقيقه وسيظل الرقم الذى احرزه من اهداف تجاوزت ال ١٢٠٠ باقيا يتحدى الجميع.
حزنت جدا ان لا تنعاه افريقيا، ولا ادرى ان كان الاتحاد العام للكرة قد نعاه ام لا وكذلك نادى الهلال الذى تشرف باللعب ضده العام ١٩٧٣.

اخيرا ارقد بسلام في الخالدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى