أخر الأخبار

كلمات صريحة –  بدرالدين الباشا – كرة القدم السودانية على حافة الانفجار

إبداع في الميدان وفوضى في الإدارة

 

تقف كرة القدم السودانية اليوم بين ضفتين متناقضتين: ضفة الإبداع والشغف الجماهيري الجارف، وضفة أخرى مظلمة تعج بالظواهر السالبة والممارسات المزعجة التي لا تخدم الرياضة، بل تنذر بمشاكل لا يُحمد عقباها إذا تُركت بلا معالجة.
لا يختلف اثنان على أن كرة القدم هي الرياضة الأولى في السودان، فهي المتنفس الأكبر للجماهير، والحلم الذي يوحد الملايين. لكن المؤسف أن هذا الشغف الجارف بات يُستغل أحيانا في صراعات إدارية، ومكايدات شخصية، وتدخلات غير مسؤولة تهدد سلامة اللعبة، وتضر باللاعبين والحكام والجماهير على حد سواء.
من أخطر هذه الظواهر ما طالعنا به مؤخرا من أخبار صادرة عن وزارة الشباب والرياضة، وتحديدا لقاء وكيل الوزارة برئيس اتحاد كرة القدم معتصم جعفر، والذي قيل إن هدفه مناقشة ملف المدينة الرياضية والملعب الأولمبي. غير أن توقيت اللقاء ومضمونه أثارا كثيرا من علامات الاستفهام، خاصة بعد إعلان الدكتور حسن برقو، رئيس اتحاد الجنينة، تبرعه بمبلغ 100 مليون جنيه.
ما حدث لا يمكن فصله عن سياق “النكايات الإدارية” ومحاولات الظهور الإعلامي، حيث بدا وكأن اللقاء محاولة لتقليل أو تحجيم مبادرة وطنية صادقة، عبر وعود مكررة وكلام كثير لا يسمن ولا يغني من جوع. الأخطر من ذلك أن وكيل الوزارة تجاوز حدود صلاحياته، خاصة أن وزير الشباب والرياضة كان قد التقى قبل أيام بالدكتور حسن برقو نفسه، في مشهد يعكس ازدواجية واضحة تؤثر سلبا على استقرار القرارات داخل المنظومة الكروية.
هذه اللقاءات المتضاربة، سواء بين الوكيل ورئيس الاتحاد أو بين الوزير والدكتور برقو، لا تخدم الكرة السودانية، بل تزيد من حالة الاحتقان والتوتر في الوسط الرياضي، وتكشف حجم الارتباك الذي يُدار به ملف كرة القدم.
ولم تتوقف الظواهر الخطيرة عند هذا الحد، بل طفت على السطح آفة الانتماءات الضيقة والتعصب للأندية، والتي باتت تتدخل بشكل سافر في خيارات مدرب منتخبنا الوطني. فرض لاعبين غير جاهزين، وانتقاد اختيارات التشكيلة الأساسية، ومحاولات تجاوز الجهاز الفني، بل ورفض بعض الأسماء الوطنية مثل رمضان عجب، كلها مؤشرات خطيرة قد تضر مباشرة بحظوظ منتخبنا في التأهل إلى نهائيات أمم أفريقيا.
وفي توقيت لا يقل سوءا، خرجت تصريحات محمد حلفا الأخيرة لتؤكد حجم الفوضى التي تعيشها كرة القدم السودانية. تصريحات مرتبكة، وافتاء في كل شيء، وحديث بعيد تماما عن الواقع، يكشف افتقارا واضحا للخبرة والحكمة، ويؤكد أن الرجل يغرد خارج السرب دون أي انضباط أو تقدير لحساسية المرحلة.
إن كرة القدم السودانية لا تحتاج إلى مزيد من التصريحات الجوفاء أو الصراعات الخفية، بل تحتاج إلى تضافر صادق للجهود، واحترام للمؤسسات، وتقديم مصلحة الوطن على الأندية والأشخاص. نحتاج إلى بيئة كروية آمنة، تُدار بعقلانية، وتُحترم فيها القيم الرياضية، حتى لا يتحول شغف الجماهير إلى وقود لأزمات نحن في غنى عنها.
فإما أن ننقذ كرة القدم السودانية الآن، أو نتركها تنزلق أكثر نحو فوضى قد يصعب تداركها لاحقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى