مامون علي فرح يكتب : انتصار الحضارة 1_5

 

الكثير من الناس يرى أن الحياة تطورت بشكل رهيب لكنه في المقابل لا يعرف ان هذا التطور مر بمراحل طويلة استهلكت ملايين السنين لنصل إلى ما وصلنا اليه اليوم من هذا التحول الرقمي الكبير.
ولمعرفة هذه الجوانب العلمية الكبيرة ما عليك إلا أن تقرأ ما خطه قلم الكاتب الكبير هنري برستد في كتابهThe Conguest of Civilization والذي تناول فيه تطور الحضارة الإنسانية منذ أن كان الإنسان جامعا للغذاء قبل ملايين السنين وقدم برستد وصفا دقيقا لتطور الحضارة الإنسانية الذي لم يكن وليد اللحظة باي حال من الأحوال مثلما يظن الكثيرين ممن لم يتعادون على البحث والإطلاع في ظل انحسار البحث العلمي وتحول معظم الناس في بلادنا على أقل تقدير إلى سياسيين يتناولون موضوعات السياسة اكثر من موضوعات الأسرة وهمومها على مستوياتهم الشخصية.
ان عالم هنري برستد ليس عالم لأي شخص ولا يمكن لأي شخص أن يستوعب ما جاء في هذا الكتاب بل أكاد اقول انه ليس كل شخص يمكنه أن يتجاوز الصفحات الأولى لهذا العمل الا القليل من المهتمين بسبر اغوار تطور البشرية ودارسي الحضارة والتاريخ بشكل كبير.
ظهر هذا الكتاب في العام 1916م وقد وجد نجاح منقطع النظير في جميع الدوائر العلمية وانتشر في أيدي الطلبة في كل أنحاء العالم.
كان لبرستد صديق اسمه هيلتون مهتم بالطباعة والنشر حاول أن يغريه مؤلف عن التاريخ القديم ليكون في أيدي الطلبة لكنه كان يرفض دائماً.
لم ييأس هيلتون اذا عمد إلى حيلة حيث جمع كتب التاريخ التي يدرسها الطلبة وارسلها إلى برستد ليطلع عليها ويجيبه عما اذا كان ضميره يسمح له ان تكون هذه الكتب مصدر لثقافة الطلبة في أمريكا وكان برستد مشغول عن فحص هذه الكتب وحالما فعل كان إثر الصدمة عليها كبير وهو ما سعى اليه هلتون بهذه الحيلة الذكية.
كان برستد يرى أن هذه الكتب اهملت حضارة الشرق بالإضافة إلى الأخطاء الموجودة في الكثير منها ماعدا كتاب او اثنين.
وفي كتاب برستد أمن على أن الشرق هو مهد المدنيات والحضارات وأنه كان المعلم الأول للبشرية وفي مختلف بقاعه ظل يخطو نحو المدنية وقدم وصفا دقيقا الحضارة الإنسانية بما فيه حضارة النوبة العظيمة.
وعلى صورة رائعة وصف برستد الظواهر القديمة منذ فجر التاريخ في أوروبا حين كانت الذئاب قد اعتادت على خطف الأطفال في قري أوروبا ليصبح هذا الأمر منظرا عاديا.
ومضى برستد إلى انقراض الحيوانات الكبيرة رغم قوتها حيث لم تستطيع مقاومة عوامل الطبيعية التي استطاع الإنسان التغلب عليها… لقد تعود الإنسان مع مر الزمن على مواجهة الحيوانات الكبيرة التي كانت تنافسه في السيطرة على الأرض وقد أصبح تقدمه ساحقا لايعرف الرحمة فبدات الحيوانات تختفي حيث اختفت الزرافة والفيل من شمال وادي النيل في بداية العصور التاريخية على الرغم من أن الأسلحة التي استعملها الذين عاشوا في عصور ما قبل التاريخ كانت أسلحة بدائية كذلك تسبب الملوك المحبون للصيد في بلاد الشرق القديم في القضاء على الفيلة الاسيوية من سهول أعالي الفرات منذ بضعة آلاف من السنين.
وفي ذات السرد الذي ساقه برستد اضاف أن هذا مثال واحد لانتصار الإنسان بل تفوقه لكن هذا التفوق لم يكن سريعا بل كان بطيئا ومر على مراحل على مدى تاريخ البشرية ونحن لا نتحدث عن أعوام بل عن عصور طويلة وممتدة.

أن أقوى عبارات وردت في انتصار الحضارة كانت لها من العمق الكثير هي هذه الفقرة التي قدمت الكثير،،،، يقول برستد : ( اننا نعرف جميعأ أن أجدادنا لم يستمعوا في حياتهم إلى جهاز الراديو او شاهدوا الطائرة وهي تحلق عندما كانوا في سن الطفولة وان قليل جدا من بينهم من استقل السيارة في يوم من الايام وعاش إباء هؤلاء اكثر ايام حياتهم بغير نور كهرباء او تلفون في منازلهم وكان اجدادهم مضطرين لقطع مسافات شاسعة في عربات السفر التي تجرها الخيول ومن بين هؤلاء من مات دون أن تكتحل عيناه برؤية القاطرة فقد اخترعت هذه الأشياء واحدة تلو الأخرى ووصلت إلينا وستخترع اشياء أخرى وتصل إلينا وستوثر فينا وفي حياتنا وكل واحد من هذه الاختراعات يستند إلى ماكان قبله ولولاها لكان من المستحيل أن تتحقق اذا لم تسبقها ابحاث اقدم منها واذا تعمقنا في دراسة تاريخ الجنس البشري فإنه يسهل علينا أن نتصور اليوم الذي عاش فيه الإنسان وكان من المستحيل عليه عمل عربة سفر او اي نوع من العربات لان العجلة لم تكن قد اخترعت بعد ).

ومضى : قبل تلك الأيام لم تكن هناك سفن ولم يكن هناك سفر وتجارة عن طريق البحر ولم تكن هناك أدوات معدنية لانه لم يكن هناك من رأى معدنا وكان من المستحيل أن تقام مبان جميلة او اي أبنية من الحجر اذ لم يكن الإنسان قد عرف استعمال أدوات من المعدن لقطع الأحجار ولم يكن متاح لاحد من الناس أن يكتب شيئا لان الكتابة لم يكن قد اخترعها احد وبالتالي لم تكن هناك كتب او اي معرفة بالعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى